في مثل ظروف استشهاد مصطفى العقّاد بلغت الحصيلة 63 قتيلا و182 جريحا في التفجير الانتحاري في حفل زفاف يوم 17 أوت 2019 بكابول عاصمة أفغانستان التي اشتهر اسمها بالمجاهدين الأفغان، بدعم أمريكي ضدّ الحضور الروسي. حصيلة ثقيلة من الأرواح البريئة تنضاف إلى قائمة جرائم تنظيم الدولة المنعوتة بالإسلاميّة، والأصحّ أن تنعت بالصهيونيّة. ولا أقول اليهوديّة، وأن تنسب إلى إمارة عربيّة معروفة برعاية الإرهاب حتّى أنّ الصحافة الأمريكيّة نفسها – رغم مصالحها الشرق أوسطيّة – طالبت بإدراجها في اللائحة السوداء بدل بيع الصمت بالمال، في السياسة وحتّى في الرياضة. وبناء على هذا الوضع الرهيب فالجواب واضح، وهونفسه في كلتا الحالتين، وهوالخوف على الإسلام ومن الإسلام معا، في علاقة الإسلام بالسيف والعنف دفاعا أوهجوما، عبر التاريخ. ورهاب الإسلام مشغل قديم ومتجدّد في قلوب أعدائه من يوم ظهوره في قريش نفسها، ثمّ بين القبائل العربيّة مع الإشارة إلى حروب الردّة، بل من يوم وفاة الرسول (ص ) اختلافا على الخلافة بعودة النزعة القبليّة، ثمّ في قلوب خصومه من المسيحيّين مع الإشارة إلى الحروب الصليبيّة، زيادة على الجدل الفكري بطعون متبادلة في القرآن والسيرة من جهة، وفي التوراة والإنجيل والتثليث من جهة مقابلة. مشغل قديم، أيضا، تبنّاه يهود يثرب، ثمّ اعتمدته الكنيسة في حملات التشويه وحركات التبشير حديثا، وفي نفس الوقت مشغل متجدّد تفشّى داؤه في المسلمين أنفسهم لاختلاف فهمهم لدينهم إلى حدّ التطرّف والتكفير والتفجير لإفادة إسرائيل بما لم تكن تحلم به، أن يذبح المسلم أخاه وأحدهما يكبّر والآخر يشهّد، كأن لم تنفع خطبة الوداع بالنهي عن العودة إلى الكفر، بعد الرسول، يقتل بعضنا بعضا. فأيّ إسلام نخاف عليه إن كان هكذا يرهب الجميع إلاّ أن يكون المرجع القرآن والسنّة في حدود القيم الإنسانيّة وفي منعة من الشريعة المشوّهة بالسياسة لأغراض الحكّام ومصالح المفتين ؟ وشتّان في الإسلام بين النظريّة والتطبيق أوبين الرسالة والتاريخ ! وفكرة الإسلام السياسي أقدم من «داعش» والإخوان المسلمين ومشتقّاتهم إذ تعود إلى يوم وفاة الرسول عند اختلاف الصحابة في خلافته وانقسام المسلمين بعد اجتماع السقيفة – سقيفة بني ساعدة – إلى سنّة وشيعة وحروب، منها واقعة الجمل والسيّدة عائشة تقود فريقها. منذ ذلك الوقت عادت العصبيّة القبليّة فصار الحكم وراثة في بني أميّة ثمّ بين أبناء عمّهم، بني العبّاس، إثر الإطاحة بهم، بعيدا عن الشورى التي أرادها الله ورسوله. والحقّ أنّ الإسلام السياسي لم يبدأ بالخلاف بين المهاجرين والأنصار، على أساس أمير من هؤلاء وأمير من أولئك. بل بدأ بالقرآن نفسه في بيان أصول الحكم على مقتضى الشرع جمعا بين الدين والدنيا أوبين العبادة التي أساسها التوحيد في إطار العبادات وبين نظام اجتماعي واقتصادي جديد، أساسه الأمّة عوض القبيلة. ولكنّ الأمور لم تسر في الطريق الصحيح. في هذا السياق أتذكّر رسالة من طه حسين إلى صديقه أندري جيد ( André Gide) نبّهه فيها بلطف العالم إلى ضرورة التمييز بين الإسلام والمسلمين حتّى لا يخطئ فيحكم على الدين الحنيف سلبا تحت تأثير واقعهم في حال من الجهل والتقهقر تبعدهم عن جوهره السليم السامي. كتب له بتاريخ 5 جويلية 1946 ما ترجمته: « كلاّ، إنّك لم تخطئ وإن هفوت. فلقد خالطت المسلمين كثيرا، لا الإسلام، وهذا في فترة عسيرة جدّا من تاريخهم، فترة انحطاط خطير، سواء في إيمانهم أوفي معرفة دينهم. لم يكن باستطاعة هؤلاء المسلمين، الذين عرفتهم جدّ بسطاء وجاهلين، أن يقولوا لك إن كان القرآن يقترح حلولا أويثير مسائل .... « فماذا يقول أحدهما لصاحبه لوعاشا زماننا ورأى كلاهما فعل منافقينا المتستّرين بالدين حبّا في الدنيا من وراء حجاب « الخلافة « الموهومة وتحت راية «الجهاد» الفاحش ؟ أتصوّر أن يتبادلا العنوان أعلاه على معنى أنّ من كان يخاف الله صار يخاف عبد الله وأنّ الإسلام هوالذي صار يخشى كثيرين لا يخشون الله من المسلمين.