وزير الدفاع الإيطالي يصل إلى تونس..    الكالتشيو: نادي ميلان الإيطالي يقيل "ستيفانو بيولي" من مهامه    رئيس مولدية بوسالم: سندافع عن لقبنا الإفريقي رغم صعوبة المهمة    هام/ هذا موعد صرف قروض صندوق الضمان الاجتماعي..وقريبا الإعلان عن تفاصيل القروض السكنية    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    خطير/ تسجيل إصابات بمرض الجرب في صفوف التلاميذ بهذه الجهة..والسلطات تتدخل..    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    إخماد حريق بشاحنة ثقيلة محملة ب7،6 طن من مواد التنظيف..    فرنسا: غرق 5 مهاجرين...التفاصيل    لأوّل مرّة: افتتاح جناح تونسي في أكبر معرض دولي للصناعة بألمانيا    بنزرت: تنفيذ 3 قرارات هدم وإزالة واسترجاع لاملاك عامة بمعتمدية جرزونة    الفيفا يكشف عن فرضيات تأهل الترجي الرياضي لكأس العالم للأندية    يهم التونسيين : غدًا طقس شتوي 100% و هذه التفاصيل    تفكيك وفاق إجرامي من أجل ترويج المخدرات وحجز 08 صفائح و05 قطع من مخدر القنب الهندي..    جندوبة: الإحتفاظ بمروج مخدرات بمحيط إحدى المؤسسات التربوية    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    ر م ع الشركة الحديدية السريعة يكشف موعد إنطلاق استغلال الخطّ برشلونة-القبّاعة    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    بعد الاعتزال : لطفي العبدلي يعلن عودته لمهرجان قرطاج    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ما القصة؟    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    عمال بشركة منتصبة بصحراء تطاوين يحتجون ويطالبون بإلغاء المناولة    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    سوسة: تعرض شاب لصعقة كهربائية أثناء تسلقه عمود كهربائي ذو ضغط عالي..    سليانة: إستئناف أشغال مركز الصحة الأساسية بمنطقة المقاربة بسليانة الجنوبية    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    مترشحة للرئاسة تطرح استفتاء للشعب حول تعدد الزوجات في تونس..#خبر_عاجل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    نقل مغني فرنسي شهير إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    دورة مدريد للتنس : انس جابر تفتتح مشاركتها بملاقاة الامريكية كينين او السلوفاكية سمليدوفا في الدور الثاني    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 بالمائة    صادم: كلغ لحم "العلوش" يصل الى 58 دينارا..!!    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الخلافة في الإسلام... خرافة
نشر في التونسية يوم 14 - 07 - 2014


بقلم الأستاذ مختار الحجلاوي
محام لدى التعقيب
وباحث في الفكر الاسلامي
[email protected]
المدخل الثاني: التاريخ:
دراسة تاريخ الممارسة السياسية في الإسلام لإمكان الوصول إلى إدراك طبيعة نظام الحكم تستوجب التفريق بين مرحلتين متباينتين: المرحلة الأولى التي تبتدئ من الهجرة وبداية الرسول(ص) في تأسيس الدولة وتستمر مع حكومات الخلفاء الراشدين ونطلق عليها تسمية«مرحلة التأسيس للدولة المدنية الحرة»، والمرحلة الثانية التي تنطلق مع استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الحكم وتستمر إلى وقتنا الراهن، ونطلق عليها تسمية«الانعطاف نحو التوريث والاستبداد».
1 مرحلة التأسيس للدولة المدنية الحرّة:
كان أوّل ما باشره محمّد(ص) حال وصوله المدينة المنورة (يثرب، وذلك في سنة 1 ه / 622 م) هو تدوينه كتاباً ينظّم الحياة السياسية لجميع سكان المدينة، كان أشبه ما يكون بالدستور كما هو متعارف عليه في العصور الحالية، وقد عُرف باسم الصحيفة واشتمل على عديد البنود التي يمكن اختصارها في تسعة بنود أساسيّة تمثّل أهمّ المفاهيم والمبادئ التي أقيمت عليها الدولة الفتية، وهي:
أولاً مبدأ الانتماء الوطني بدل الانتماء القبلي أو الديني:
وذلك من خلال التنصيص بالصحيفة على:«هذا كتاب من محمد النبي (تلاحظ دقّة صياغة هذا النص إذ لم تُستعمل عبارة «محمّد الرسول» وإنما «محمّد النبيّ»، فلا شك أن محمّدا(ص) يعي جيداً ما يقول ويعطى لكل مقام حقّ قدره)) بين المؤمنين والمسلمين من قريش، وأهل يثرب (من يهود ونصارى وغيرهم) ومن اتّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنّهم أمّة واحدة من دون الناس». وهكذا فالدولة بهذا المفهوم تجمع المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى اعتباراً إلى أنّ غالبية سكان يثرب هم من اليهود والنصارى، بل وفيها من لا يدين بأيّ دين.. ويتحوّلون إلى أمّة واحدة لا يتمايزون فيما بينهم ولكنّهم يختلفون عن بقية الناس على هذا الأساس، ويصير الوطن قاعدة الانتماء بينهم بعد أن كان الانتماء قائماً بالأساس على الرابط القبلي.
ثانياً مبدأ الولاء الوطني قبل أيّ ولاء آخر:
وذلك من خلال نصوص الصحيفة التالية:
«وأنّ المؤمنين المتّقين أيديهم على كلّ من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثمًا أو عدوانًا أو فسادًا بين المؤمنين وأنّ أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم».
و«أنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم».
و«أنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا أو يأويه وأنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل».. وبهذا يصبح الولاء الوطني مقدّماً على أيّ ولاء آخر سواء كان قائما على الانتماء القبلي أو على الانتماء الديني، فقد أضحى الفرد في هذه الدولة الفتية في نفس مرتبة الأفراد من باقي القبائل والملل، يده على كلّ من بغى ولو كان ولده..
ثالثاً مبدأ المساواة بين المواطنين والطوائف:
وذلك من خلال الاتّفاق ضمن الصحيفة على:
«أنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم».
و«أنّ بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم».
و«أن لا تجار حرمة إلاّ بإذن أهلها».
رابعاً مبدأ الدّفاع المشترك:
وذلك من خلال إقرار الصحيفة:
«أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين»
و«أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصّحيفة»
و«إن بينهم النصر على من دهم يثرب».. ويؤكّد كل ذلك على التزام كافة الأفراد المنتمين للقبائل والملل المكوّنة لجماعة المدينة، ومن منطلق الإيمان بالمواطنة وتكريساً لمبدإ الولاء الوطني، بالذود عن المدينة ونصرة بعضهم البعض في ذلك.
خامساً مبدأ الخصوصيّة الدينيّة:
وذلك من خلال نص الصحيفة التالي:
«وأنّ يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وأنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. وأنّ ليهود بن الحارث مثل ما ليهود بني عوف. وأنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وأنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وأنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وأنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلاّ من ظلم وأثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وأن جفته بطن من ثعلبة كأنفسهم. وأنّ لبنى الشطبية مثل ما ليهود بني عوف».
سادساً مبدأ حرية المعتقد:
وذلك من خلال احتواء الصحيفة على النص التالي:
«لليهود دينهم وللمسلمين دينهم». ونعتقد أنّ هذا المبدأ على وضوحه لا يستدعي تعليقاً عدا القول بأنّه تكريس لمبدإ الحرية عموماً وحرية المعتقد خصوصاً الذي جاء الإسلام مبشّراً به.
سابعاً مبدأ التآخي والسلم الاجتماعي:
وذلك من خلال تضمّن الصحيفة للنص التالي:
«وإنّ بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم».. التنصيص واضح في أنّ العلاقة بين جميع أفراد الدولة قائمة على النصح والنصيحة والبرّ، وكلّها مقوّمات ما نطلق عليه حديثاً عبارة «السلم الاجتماعي» دلالة على أنّ الأصل في علاقة المسلم مع غيره – وخصوصاً شريكه في الوطن والدولة – هو السلم وليس الحرب كما يُنظّر لذلك أغلب فقهاء السلف ويكرره الكثيرون في وقتنا الراهن.
ثامناً مبدأ الاستقلال الوطني وحرمة الوطن:
وذلك من خلال التنصيص على:
« أنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة».
تاسعاً مبدأ تحجير التعامل مع الأجنبي بما يضرّ بالمصلحة الوطنية:
وذلك من خلال التنصيص على:
«وأن لا تجار قريش ولا من نصرها». وقد ثبت في التاريخ أنّ اليهود نكثوا عهدهم هذا في السنة الخامسة للهجرة في معركة الخندق، فأعلن الرسول(ص) الحرب عليهم وأخرجهم من دولته، ولم يكن ذلك من باب أنّهم يهود بل من منطلق أنّهم وباعتبارهم أحد مكوّنات المجتمع الجديد عمدوا إلى نكث عهدهم الذي أبرموه من خلال رضائهم بالصحيفة وأحكامها.
والناظر لجملة هذه المبادئ وغيرها ممّا تضمنته الصحيفة يقطع بأنّ السلطة التي صارت بيد النبي(ص) والدولة التي انطلق(ص) في تأسيسها بالمدينة وبالتوافق مع جميع مكوّناتها الاجتماعيّة كانت ذات طبيعة مدنيّة بالمفهوم الحديث للمصطلح، وكانت أبعد ما يكون عن السلطة الدينية أو الدولة الدينيّة.. فالسلطة، لم تنشأ بموجب شرعية إلهية، كما أنّ ممارستها لم تتأسس على استحقاق إلهي.. ومحمدٌ والمهاجرون معه ومن ناصروهم لم يعلنوا ذلك أو يفرضوه على غيرهم من أهل المدينة من يهود ونصارى وغيرهم، وإنّما تداعوا إلى ما يجمعهم وتعاقدوا عليه في إطار سياسي مدني يضمن المصالح المشتركة للجميع ويكفل المساواة ويقرّ الحقوق، فلا أفضلية لطائفة على أخرى أو قبيلة على قبيلة.. ويكفل الحرية أيضاً وعلى رأس ذلك حرية المعتقد، فلا يُكره اليهود أو النصارى على إتّباع المسلمين ولا المسلمون على إتّباع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، ولذلك أمكن الجزم بأنّ عماد صحيفة المدينة/الدستور كان حماية حق المواطنة، وهو الحق الذي منه تنشأ باقي الحقوق.
إنّ الأمر الإلهي بالتأسّي برسوله(ص) يقتضي الإيمان بأنّ نظام الحكم في الإسلام يقوم على أساس مدني قوامه الاعتراف بحق المواطنة كحق أساسي تُبنى عليه باقي الحقوق وبه تكفل الحريات وتصان.
ثمّ كانت حكومات الراشدين وكان اعتلاء أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ لسدة الحكم دون متطلبات الأمر الإلهي في الشورى: فقد كانت بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة من طرف نفر قليل ولم تتمّ مشورة كلّ مواطني وسكّان المدينة والأقاليم التي صارت تابعة لها، وقد تمّت بمبادرة من عمر بن الخطاب بعد أن أوشك الأنصار على مبايعة سعد بن عبادة، الأمر الذي سيتعاطى معه الفقهاء فيما بعدُ بتأويل يقوم على منطق قبلي ضيق اعتقادًا منهم أنّ عمر والمهاجرين ما تمسّكوا بالسلطة خلافة للنبي(ص) إلاّ لأنّهم أبناء قريش، ولذلك جعلوا من القرشية شرطاً للإمامة، فكان ذلك مؤشّرا على بدايات انحراف مفاهيم نظرية الحكم في التاريخ الإسلامي المبكّر. يقول الماوردي (كتاب الأحكام السلطانية) «إنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لمّا بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النبي(ص)»الأئمّة من قريش» فأقلعوا عن التفرّد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا منّا أمير ومنكم أمير تسليما لروايته وتصديقا لخبره»، وكذلك أورد الطبري (كتاب تاريخ الطبري) في حديث زكريا بن يحي الضرير عن أبي عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري أنّ أبا بكر خاطب سعد بن عبادة في السقيفة بقوله:«ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: قريش ولاّة هذا الأمر فبرّ الناس تبع لبرّهم وفاجرهم تبع لفاجرهم، قال، فقال سعد: صدقت، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء..». ولكنّ الحقيقة كانت مغايرة لذلك تماماً، فالحديث المذكور، علاوة على ضعف سنده «حيث أن حميداً لم يصرّح بمن حدّثه وهو لم يشهد وفاة النبي(ص) ولا السقيفة ولم يعاصر أبا بكر كما يذكر الهيثمي في مجمع الزوائد» (كتاب السلطة في الإسلام ج 1 ص 321 اعبد الجواد ياسين) يعتري متنه وهن شديد»لأن سعد بن عبادة –فيما تجزم به الروايات بما في ذلك رواية البخاري لحديث السقيفة عن عمر– لم يوافق قط على بيعة أبي بكر، وظلّ على ذلك حتى مات في خلافة عمر» (نفس المرجع السابق)، وما يُنسب حقيقة لأبي بكر هو قوله (ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة ص 5 وما يليها)» إنّ الله جلّ ثناؤه بعث محمداً(ص) بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ الله بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه، فكنّا معشر المهاجرين أوّل الناس إسلاماً، والناس لنا فيه تبع، ونحن عشيرة رسول الله(ص)، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنساباً، ليست قبيلة من قبائل العرب إلاّ ولقريش فيها ولادة ...» دون استناد منه على أي حديث ينسبه للرسول(ص)، فكان تبريره لأحقية قريش في السلطة مبني على مجرّد وجهة نظر قائمة على تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي المعاصر لتلك الأحداث.. وكان وصول عمر بن الخطاب للخلافة (سنة 13 ه) عن طريق التعيين من طرف سلفه أبي بكر الصدّيق أثناء مرضه، ولو أنّ الأمر حاز رضاء أهل الحلّ والعقد بالخصوص فيما بعد إلاّ أن طريقة أبي بكر في تولية عمر العهد على هذه الشاكلة تمثّل بحقٍ تراجعاً عن واجب الشورى المطلوب في تولية الأمر، ومثّلت فيما بعدُ مبرراً لتوريث الحكم بالنسبة لملوك بني أمية خصوصاً، ومستنداً لدى الفقهاء والمنظّرين للحكم لجعل ولاية العهد إحدى وسائل إسناد السلطة.. وكان استلام عثمان بن عفّان للسلطة (سنة 23 ه) باتفاق ستة أنفار عيّنهم عمر بن الخطاب ودعاهم لاختيار خليفة من بينهم في أجل ثلاثة أيّام من وفاته وهم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله.. أمّا علي بن أبي طالب فقد تمّت بيعته (سنة 35 ه) من طرف أهل المدينة ومعارضة أنصار عثمان والأمويين الذين غادر معظمهم إلى الشام...(يمكن الرجوع لأكثر تفصيل لكتاب تاريخ الطبري).
هكذا إذاً، نستطيع القول إنّ مرحلة التأسيس لأوّل دولة في الإسلام، ورغم قصر مدّتها، قد اتّسمت بالثراء والتنوّع، ونَأَتْ عن كل نزوع لتبرير استحقاق الحكم بالوصية الإلهية أو ما شاكلها من النظريات الثيوقراطية، فكانت الشرعية فيها للجمهور، وأمّا الخليفة فكان يستمد مبرر تواصل مسك السلطة من طرفه من قيامه على شؤون الناس معلنا أنّه ليس بخير منهم، يطلب الإعانة إن أحسن ويتقبّل التقويم إن أساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.