عاجل/ سعيّد: "هناك مؤسّسات لا طائل من وجودها.. وهؤلاء لا مكان لهم داخل الدولة"    سعيّد يشدّد على ضرورة توفير كلّ الوسائل اللاّزمة للمجالس المحلية والجهوية والأقاليم    نواب يؤكدون ضرورة التزام البنوك بقرارات البنك المركزي    عاجل: قوافل طبية لعلاج العيون مجانًا في كامل ولايات الجمهورية في هذا التاريخ    قافلة الصمود تعود إلى تونس وغسان هنشيري يؤكد المعنويات المرتفعة ويبشّر ب"قافلة الصمود 2"    سعيّد يتوجّه بهذه التوصيات لوزير الخارجية.. #خبر_عاجل    عاجل/ صاروخ إيراني يُصيب مستشفى إسرائيلي.. وتسرّب مواد خطرة    "وول ستريت جورنال": ترامب وافق على خطط الهجوم ضد إيران    عاجل: قافلة الصمود تعود إلى تونس    اليوم السابع من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: تصعيد خطير والموقف الأمريكي لا يزال غامضًا    ‌وزير الدفاع الإسرائيلي: خامنئي سيدفع الثمن    عاجل: الإعلان الرسمي عن قائمة المترشحين لهيئة النادي الإفريقي    طقس اليوم: انخفاض في درجات الحرارة وأمطار بهذه المناطق.. #خبر_عاجل    محرز الغنوشي: ''الحمد لله على الأجواء الفرشكة..كلو ولا الشهيلي''    اليوم : أكثر من 33 ألف تلميذ يجتازون مناظرة 'النوفيام'    هجوم صاروخي كبير على تل أبيب وبئر السبع    جيش الإحتلال يعلن اغتيال قائد مدفعية "حزب الله"    كأس العالم للأندية : هزيمة قاسية للعين الإماراتي على حساب جوفنتوس (فيديو)    كأس العالم للأندية: العين الإماراتي يسقط أمام يوفنتوس بخماسية    كأس العالم للأندية: سالزبورغ يتصدر محموعته بفوز صعب على باتشوكا    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    لجنة الاشراف على الجلسات العامة والمنخرطين بالنادي الافريقي - قبول القائمة الوحيدة المترشحة برئاسة محسن الطرابلسي    تونس – مصر : نحو شراكة معززة في قطاع الصحة    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    نابل...وفاة طفلة غرقا    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    الإعلاء    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    بطولة العالم لكرة اليد تحت 21 عاما - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره السويسري 31-41    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    بطولة برلين : أنس جابر تزيح جاسمين باوليني وتتأهل الى الدور ربع النهائي    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهم في رحلاتهم ..مع ملّون في رحلته من بالرمو إلى تونس (1)
نشر في الشروق يوم 28 - 08 - 2019

نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى.
ملّون (بول): 10/6/1844 – 28/6/1915.
ولد بول ملّون (Paul Melon = Mellon) بمونبليي وتوفيّ بباريس. محام ومؤسّس التحالف الفرنسي. تكشف مؤلّفاته العديدة في التاريخ والآثار والسياسة والتعليم عن ولائه المطلق لوطنه على درب الاستعمار والفرنكوفونيّة . قام برحلة من بالرمو إلى تونس وصف فيها جزيرتي صقلّية ومالطة وطرابلس، ثمّ جزيرة جربة، وواصل وصف المدن الساحليّة، قابس وصفاقس والمهديّة والمنستير وسوسة وبعدها تونس وبنزرت معرّجا على الجمّ والقيروان، ثمّ على جندوبة وعين دراهم . دوّنها في شكل مذكّرات أو رسائل، من بالرمو في 10 أفريل 1884 إلى جربة في 4 ماي فإلى عين دراهم في 15 جوان من نفس السنة، وحلاّها بثمانية رسوم يدويّة في غياب التصوير الشمسي . من كتبه المتعلّقة بتونس :
Les Evènements de Tunis / Du rôle de l›Italie et de l›action du gouvernement français. – Paris 1881
La Nécropole phénicienne de Mahdia . – Paris 1884.
De Palerme à Tunis, par Malte, Tripoli et la côte / Notes et impressions. – Paris 1885, 2e éd .2017.
L›Alliance française et l›enseignement français en Tunisie et en Tripolitaine . – Paris 1885.
Problèmes algériens et tunisiens / Ce que disent les chiffres. – Paris 1903.
الرحلة : انطلق ملّون من بالرمو، وعبر صقلّية ومالطة ،وأرسى في طرابلس ثمّ أبحر إلى تونس وأرسى بجربة يوم 4 ماي 1884 فأبهرته الجزيرة بأشعّة الشمس الساطعة على سطح البحر وعلى جدران المباني القليلة بحومة السوق حيث ترتفع صومعة الجامع وقبابه . كما أبهرته زياتينها الوفيرة التي يبلغ محيط بعضها إثنى عشر مترا في مستوى الجذع وكذلك الكروم الجيّدة العنب وأنواع الأشجار المثمرة المظلّلة بالنخيل . والسكّان بعدد ثلاثين ألف نسمة خليط من أغلبيّة مسلمة وجالية يهوديّة وبضع مئات من الأوروبيّين. وكان العدد أكثر من ذلك لكن تراجع بالطاعون وأقفرت به القرى ( ص 85 – 86 ).
أعجب ملّون بمهارة الجربيّين في أشغالهم الفلاحيّة والصناعيّة وأثنى على صادراتهم من الملابس والمفروشات ومنتوجات أرضهم الرمليّة الخصبة بمياه الآبار المستخرجة بالدلاء . وهي صادرات تتجاوز تونس العاصمة إلى طرابلس والإسكندريّة والقسطنطينيّة، وتفوق ثمانمائة طنّا سنويّا . ولكنّهم دينيّا متعصّبون، تشهد على ذلك كثرة المساجد وحصن الجماجم من الجنود الإسبان المهزومين . واستغرب تفضيلهم للعيش في بساتينهم على التجاور في السكنى، عكس اليهود الذين يفضّلون التجمّع في الحارة حيث البيعة التي شيّدها أسلافهم المطرودون من فلسطين في عهد نبوخذ نصر، على حدّ قوله ( ص 86 – 88 ) . ويبدو شاكّا في ادّعائهم هذا الأصل، لكنّه وجد الأسطورة مثمرة بما تدرّه عليهم من التبرّعات لصيانة بيعة الغريبة .
وفي حومة السوق أيضا تجاور في السكنى ما بين أربعمائة أو خمسمائة أوروبي، أكثرهم مالطيّون، حول كنيسة تكرّم بها عليهم شابّ مبشّر، لكنّهم فقراء لكسلهم ومتعصّبون لجهلهم، رغم إحداث البعثة الفرنسيّة مدرسة لأبنائهم سنة 1879 م . ولم تنفع تضحيّات الأخوات المترهّبات ولا المكتبة والأثاث المدرسي، فكلّ شيء مهمل ( ص 88 – 89 ) .
لم يجد ملّون نزلا في جربة لكنّه وجد في ضيافة الخليفة إبراهيم بن أحمد وأهله الكرم الذي أنساه الوطن دون أن يأكل « النبق» – أو يشرب « اللاّقمي « – حسب الأسطورة التي تمنح مفعولا مسكرا لنبتة اللّوتس (Lotus) . قضى هناك أربعة أيّام، صادف أحدها السوق الأسبوعيّة وجلسة قضائيّة بدار الباي . ومن باب إكرام الضيوف الأجانب يسمح الخليفة لصاحبنا بطلب العفو لبعض الموقوفين بجنحة سرقة « اللاّقمي» . أمّا المحكوم عليهم بالسجن فيقضون بضعة أيّام في منزل لا يشبه السجن في شيء، ويأتيهم طعامهم من الجيران إلى أن تنتهي « الضيافة « . وفي المساء حضر حفل ختان انشغل فيه الرجال بتدخين النرجيلة والنساء بالرقص على إيقاع الطبل والمزمار وفي نور البدر ونسمة البحر ( ص 90 – 97 ).
وعلى امتداد ستّة كيلومترات، طوال القنطرة الرومانيّة، تنتشر آثار تكاد تظهر بين موجة وأخرى من جملة أعمدة وتيجان وتماثيل وفسيفساء هي آخر بقايا العاصمة التي تحوّل عنها العمران إلى الشمال ( ص 97 – 99) .
يوم 8 ماي 1884 حلّ ملّون بواحة قابس الخلاّبة الشاملة لقرى جمع بينها الاسم البربري تاكاب (Tacape) . وقد فقدت المدينة الرومانيّة مرساها بالترميل، واستعملت أحجار سورها في مباني المنزل وجارة، وبدأ يظهر مركز عمراني جديد لما قد يكون عاصمة الأعراض إذا شاءت السلطة الاستعماريّة ! ( ص 101 – 103 ) . ولكن هذا مستبعد – في نظره – لقلّة الأمطار والمياه والأمن، باستثناء مجال الواحة المثمرة التي خصّها بوصف شاعريّ محدّدا شكلها الثلاثي بثلاثة كيلومترات موازية للشاطئ وبسبعة أو ثمانية ممتدّة في البرّ ومحتسبا نخيلها بخمسة وثمانين ألف عود، دون ما تحتها من الأشجار المثمرة وما دونها من المغروسات الأرضيّة المسقيّة . ولم ينس ملّون استحضار التاريخ القديم والتعليق على مشروع رودار (Roudaire) لربط شطّ الجريد بالبحر عند مصبّ الوادي المالح على اثني عشر كيلومترا شماليّ قابس . لكنّه لا يتوقّع نهضة اقتصاديّة لقابس اعتمادا على التجارة البحريّة نظرا إلى صعوبة الرسوّ كلّما هاج البحر وماج ( ص 103 – 107) .
يوم 12 ماي 1884 وصل ملّون إلى صفاقس، وكان زارها منذ أقلّ من عامين، ففوجئ بتوسّعها العمراني وتشييد الكنيسة بعد إزالة السور من جانب الحيّ الأوروبيّ ومدّ شارع عريض مشجّر الجانبين وتوسيع الرصيف البحري حتّى اعتبرها مدينة المستقبل بحيويّة سكّانها البالغين ثلاثين ألف نسمة دون احتساب سكّان الأحواز وبخيرات بساتينها التي تبلغ عشرة آلاف على طول ثلاثين كيلومترا وعمق عشرين . وقد بدت له، وهو على ظهر الباخرة، إطارا أخضر للمدينة تلمع في ثناياه مئات المباني البيضاء، (يقصد بها الأبراج). فتلك هي ثروتها بمختلف ثمارها وخاصّة منها الزيت بسبعة وعشرين مليون لتر، مهما كان العام، تنمّي التصدير . لكنّ الصناعة رديئة والتجارة كاسدة والأرض رمليّة والعيون نادرة ممّا يفرض على الصفاقسيّ حسن التصرّف في الماء جمعا واستغلالا مع الاستفادة من الإعفاء الجبائي على الأراضي المستصلحة السابق لانتصاب الحماية ( ص 109 – 112) .
وليس وحده الذي لاحظ خلاء الأنهج المتسارع مع الغروب لكنّه ربط ذلك – حسب قوله – بعادة الصفاقسيّ الإقامة خارج المدينة ودخولها صباحا للمتجر أو للورشة ومغادرتها مساء عائدا إلى عائلته ( ص 112 – 113) . أيعقل هذا ؟ فلعلّه لاحظ ذلك إثر حوادث بدايات الاستعمار حسب إشارته إلى آثار القذائف على الحيطان . وأهمّ شيء لاحظه تفاني الحرفيين في العمل ونظام المواجل المنتفع بقانون الأحباس قبل أن يطالها سوء تصرّف الإداريين (ص 113 – 115) .
أصبح مشكل الماء الشغل الشاغل للسكّان، ومن بينهم ألفا يهوديّ وألف مالطيّ وثلاثمائة إيطاليّ ومائة وخمسون فرنسيّا حتّى فكّروا في جلبه من عين بجبل بوهدمة على مسافة ستّين كيلومترا . وإنجاز كهذا إذا تحقّق سيوفّر للمدينة النظافة المانعة من الأمراض، لذلك أطنب هذا الرحّالة في موضوع الصحّة العامّة مستعينا بشهادة أحد السكّان الفرنسيّين المنتقدين لسياسة الحكومة وتقصيرها لأنّهم كانوا ينتظرون منها أكثر ممّا تمّ (ص 115 – 121) .
وختم ملّون كلامه، وهو في صفاقس، بملاحظات واقتراحات تخصّ الخدمة العسكريّة في إطار سياسة الإدماج الاستعماريّة ( ص 121 – 125).
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.