يدور منذ يومين جدل واسع بين المرشحين للرئاسة وبين المشرفين على حملاتهم الانتخابية وأنصارهم، البعض من هذا الجدل يدور في الكواليس في سياق ما بات يُنعت بمعركة من يتنازل لمن؟ وفق أية شروط وعلى أي ارضية توافقيّة؟، وفي هذا السياق تمّ تسريب العديد من الاخبار عن لقاءات ومشاورات واتصالات هاتفية وغيرها، بعضها صحيح وبعضها في سياق الجذب المتبادل لهذا الطرف أو ذاك. ولكن التجاذبات تبدو بيّنة وجليّة على صفحات التواصل الاجتماعي وفي اللقاءات الانتخابية وفضاءات النقاش العام حيث أطلق كثيرون حملات دعاية واستقطاب تحت عنوان «التصويت المفيد» لتجنّب تشتّت الأصوات ولمنع صعود المخالفين وسدّ الأبواب أمامهم والمرور الى الدور الثاني. التصويت المفيد أو المثمر أو الإيجابي يستندُ أصحابه الى منطق حسابي والى قراءة رقمية في ما يتمّ تداوله من عمليات سبر آراء أو تقييم لوقائع الحملة الانتخابية، ويرى هؤلاء أنّ الوقوف خلف مرشّح واحد وتنازل المرشحين القريبين منه سيمكّن من تجميع الأصوات المشتتة وتحقيق كسب انتخابي مهم في حين أنّ دخول الانتخابات بتشتّت لا فقط سيحرم مرشحيهم من الصعود بل سيمكّن خصومهم من تحقيق الفوز. التجاذب على أشدّه، وكلّ يقدّم المنطق الحسابي والعددي الذي يدعم رأيه، ولكن في المقابل هناك من يتمسّك بما يسميه مبادئ ووفاء لأحد المترشحين وعدم الاستعداد مطلقا للتخلي عن ذلك مهما كانت الفرضيات ومنها الهزيمة أو الخسارة، هذا تمسّك فيه الكثير من العاطفة والميل النفسي يستبعدُ منطق المقايضات أو المصالح الضيّقة ويرى في أنّ الحسم للصندوق لا للتنازلات أو التوافقات أو الحسابات المسبقة. في غضون ذلك، تشي تصريحات المرشحين أنفسهم بالوقوع في مطب صعب جدا، فالمشهد الانتخابي متشظ على نحو كبير، إضافة الى أنّ الرأي العام لم يستقر الى وجهة محدّدة، فالكثير من الناخبين واقعون في حيرة الاختيار كما أنّ جزءا مهما منهم قد يتِّجه الى التصويت العقابي وهو مزيج بين عقل وعاطفة، بين عقل يقيّم سلبيا مكاسب السنوات الماضية وعاطفة، متشدّدة منشدة إلى الأهواء، تدفعُ في الأرجح الى الانتقام ولو بالذهاب نحو خيارات أسوأ. غالبية السياسيين، وخاصة الأحزاب الكبرى والمرشحين البارزين، باتوا على يقين بحقيقة ما يدور في الواقع من معطيات، البعض منها مخيف لهم ولمستقبلهم، والبعض منها مخيفٌ للبلاد واستقرارها في المرحلة القادمة، فتحركات آخر لحظة تدعم هذه القناعة بأنّ التوجهات الكبرى للناخبين قد تُحدث مفاجآت كبرى، قد يكون بعضها صادما وغير متوقّع بالمرّة، لذا تمّ تحريك سياسة الدعوة الى التصويت المفيد، وفي تلك الدعوة الكثير من الأهداف، على رأسها تفادي الخسارة المدويّة للبعض من المترشحين ومناصريهم ومحاولة إعادة توجيه البوصلة الانتخابيّة عبر الموجهات الرقميّة والحسابيّة والعدديّة وتكرارها بشكل مكثّف في منزع لإيقاف موجة تصويت عاطفيّة جارفة تبدو على الأبواب..