توفي بليغ حمدي في 12 سبتمبر 1993، عن عمر يناهز 62 عاماً بعد صراع طويل مع مرض الكبد... وفي ذكرى الرحيل نتذكر قصة حبه الكبير! وللقصة ظلال وتفاصيل...! بليغ ووردة، قصة ثنائي استفاد الفن من عشقهما، إذ أبدع الأول في ألحانه وكلماته، وتجلّت الثانية بنشوة الحب على المسرح لتطرب الجمهور بأروع المقامات، ووراء ذلك قصة طويلة لم تُكتب لها نهاية سعيدة كما توقع أهل الوسط الفني. شرارة الحب في منزل الموسيقار الراحل محمد فوزي، التقى بليغ حمدي ووردة للمرة الأولى، وكان ذلك بمطلع الستينيات، واتفقا على أن يلحن "بليغ" لها أغنية "يا نخلتين في العلالي"، ثم غادر الملحن المكان وقلبه متعلق بملامح تلك "الوردة" التي تفتحت أمامه بثغرها الباسم وصوتها الساحر، إذ دقّ قلبه لها وهو في الثلاثين من عمره بعد فشل تجربته الأولى في الزواج، من فتاة سكندرية تدعى "أمنية طحيمر"، استمر زواجهما لمدة عام واحد، بينما كان عمر "وردة" حينها 21 عامًا. والحقيقة أن شرارة الحب التي انطلقت لم تكن نتاج هذا اللقاء، على الأقل من جانب وردة، التي كانت قد ارتبطت وجدانيًا ببليغ حمدي وهي في السادسة عشرة من عمرها بعد تلحينه أغنية "تخونوه"، في فيلم "الوسادة الخالية"، وعرفت أن اسمه بليغ حمدي، وترقبت مقابلته عند مجيئها لمصر. خيبة أمل تملك الحب من قلب الملحن وسارع بطلب يد وردة للزواج، ولكن المفاجأة كانت في طرد والدها له من بيته رافضًا زواجهما، فغادر بليغ متألمًا لا تشغله إهانته، بل ذلك الألم الذي ستشعر به حبيبته، وعاد إلى منزله ليكتب وسط دموعه: "وعملت إيه فينا السنين.. فرقتنا.. لا.. غيرتنا.. لا.. ولا دوبت فينا الحنين.. لا الزمان.. ولا المكان.. قدروا يخلوا حبنا .. دا يبقى كان"، ثم ألقى بالورقة في درج مكتبه مقسمًا ألا تغنيها سوى صاحبة العيون التي عشقها حتى الثمالة. ولم يكن أمام هذا العاشق العظيم الذي لحن لكوكب الشرق أغاني: "الحب كله، وسيرة الحب، وأنساك"، سوى إرسال رسائل غير مباشرة لمعشوقته البعيدة، فقالت له أم كلثوم مازحة: "أنت بتشغلني كوبري للبنت اللي بتحبها؟". يحكي الإعلامي الراحل وجدي الحكيم أن شرارة الحب انطلقت مع اللقاء الأول بين وردة وبليغ حمدي، عندما ذهب لتحفيظها أول لحن "يا نخلتين في العلالي" من فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" مع الفنان عادل مأمون، وقال الحكيم إن بليغ أخبره أنه لأول مرة يهتز حين يرى امرأة، عندما سلّم على وردة. وأكد وجدي الحكيم، أن بليغ اصطحبه هو ومجدي العمروسي كي يتقدم لخطبة وردة، ولكن والدها رفض استقبالهم على باب المنزل. ورغم رفض أسرة وردة زواجها من بليغ، ظل حبه لها مشتعلا، حتى بعدما عادت مع عائلتها للجزائر، وأصرّت أسرتها على زواجها من قريبها، وحتى بعدما أنجبت ابنيها وداد ورياض وابتعدت عن الفن، ومرّت عشر سنوات دون أمل. بعد سنوات من ابتعاد وردة عن الفن، سافر عدد من الفنانين المصريين إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، فذهبت وردة للقائهم في الفندق، وكان من بين الحضور هدى سلطان ومحمد رشدي وبليغ حمدي، الذي أمسك بالعود وجاءته فكرة أغنية "العيون السود"، التي كتب عددا من أبياتها في هذا التوقيت، وبعدها بعام ونصف العام انفصلت وردة عن زوجها، وعادت إلى مصر وغنّت "العيون السود" في 1972، التي أكمل كتابتها الشاعر محمد حمزة بأفكار بليغ، وقال عنها وجدي الحكيم أنها جسدت قصة حب وردة وبليغ وعبر فيها العاشق الولهان عن مشاعره. وقيل إن بعض مقدمات الأغاني التي وضعها بليغ لأم كلثوم كانت رسائل غير مباشرة منه إلى حبيبته البعيدة، ومنها مقدمة أغنية بعيد عنك، والحب كلّه، وسيرة الحب، وأنساك. وأن أم كلثوم عندما علمت بالأمر قالت له مازحه "انت بتشغّلني كوبري للبنت اللي بتحبها". الحلم يتحقق بعد 10 سنوات تزوجت وردة من الضابط جمال قصري، واعتزلت الغناء، وظل بليغ في انتظارها رافضًا الزواج من أخرى، إلى أن نجح وقابلها بعد 10 أعوام، في عيد استقلال الجزائر بعدما بلغ ال40 عامًا وبلغت هي 31 عامًا، وحينها طلبت الطلاق من زوجها الضابط الذي أجبرها على اعتزال الغناء، وعادت للفن وبليغ. وبعدما عادت وردة إلى مصر، تُوجِّت قصة الحب بالزواج، إذ عُقد القران في منزل الفنانة نجوى فؤاد، وغنّى فيه العندليب الأسمر أغنية "مبروك عليك". نعم في منزل الراقصة نجوى فؤاد تم الزواج بين وردة وبليغ حمدي، واستمر لمدة 6 سنوات، كرّس خلالها "بليغ" ألحانه لزوجته، ومن أهم ما غنت وردة لبليغ حمدي "العيون السود" و"خليك هنا" و"حنين" و"حكايتي مع الزمان" و"دندنة" و "وماله" و"لو سألوك" و"اسمعوني". انفصال وندم كان شغف بليغ حمدي بالموسيقى كفيلًا كي ينسيه يوم عقد قرانه على المطربة وردة، لذا شعرت الأخيرة بأن الموسيقى "ضرتها" التي لن تقدر على تحملها أكثر من 6 أعوام، كما أنها هي شخصيًا لم تحب أبدًا أن تتحمل ذنب إبعاد بليغ عن الموسيقى، فتم الطلاق بين الاثنين. ورغم حدوث الطلاق بينهما إلا أن حبال الحب والمودة ظلت بينهما، فعندما اُتهم بليغ في قضية مقتل الفنانة المغربية "سميرة مليان"، ذهبت "وردة" إلى وزير الداخلية آنذاك "زكي بدر"، عام 1984، لتتوسط لخروج بليغ من السجن وهددته بالاعتصام أمام السجن إذا تم سجن بليغ يوما واحدا. وبعد الانفصال أرسل لها "بليغ" من فرنسا مع الماكيير محمد عشوب أغنية "بودعك" لكي تغنيها، إلا أن الأخيرة فور سماعها لها انفعلت وقالت ل "عشوب": "ده بيشتمني فيها أغنيها ازاي"، لكن أقنعها الماكيير العالمي أن تغنيها وقد حدث بالفعل. وأما عن الندم الذي أبدياه بعد الطلاق، فقال بليغ: "خرجت من تجربة طلاقي لوردة مؤمنًا بأن الإنسان أحيانا يكون عنيدًا مع نفسه بدون داعٍ أو تفكير"، في حين قالت وردة: "لو كنت فهمت بليغ أثناء الزواج مثلما فهمته بعد الطلاق لربما ما انفصلنا". وفي لقاء صحفي مع الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، قالت إن بليغ كان معتادا خلال فترة زواجهما أن يضع لها "وردة" بجوار سريرها يوميًا، حتى تكون أول شيء تراه في الصباح، مضيفة" "لو كان وفّر ثمن الورد كان بقى مليونيرا". وغنّت وردة أجمل أغانيها من ألحان بليغ، ومنها: العيون السود، وخلّيك هنا، وحكايتي مع الزمان، واشتروني، وغيرها. آلام الطلاق بسبب الغيرة واعتياد وردة على الحياة الأسرية التي لم يعتدها بليغ، وقع الطلاق بينهما، ما تسبب في تدهور حالة بليغ الصحية والنفسية، حتى أنه كاد يُصاب بالاكتئاب، كما أصيبت وردة بعد الطلاق بانفجار الزائدة الدودية وكادت تفقد حياتها. وحتى مع الفراق لم يتوقف نهر الحب البليغي، فكتب العاشق الذي لم يفتر حبه يوما أغنية بودعك، وطلب من وردة أثناء مكالمة تليفونية من منفاه في فرنسا أن تغنّيها، لكنها تردّدت بعض الشيء. ورغم الطلاق، إلا أن مشاعر الحب والمودة ظلت مستمرة، وظل بليغ يحب وردة إلى آخر يوم في حياته، حتى أن ابن شقيقه قال إنه كان يردد اسمها قبل وفاته في 1993. وقال وجدي الحكيم، إن الفنانة وردة ندمت على الانفصال عن بليغ، وقالت له: «تعاملي مع بليغ بعد انفصالنا خلاني ندمت على الانفصال، ولو كنت عرفت بليغ زي ما عرفته بعد الانفصال كانت الحياة استمرت بينا". وغنّت وردة أغنية "بودعك" التي كانت آخر أغنية جمعتها مع بليغ، وبعد وفاته أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، وظلّت في كل لقاءاتها تتحدث عنه، إلى أن توفيت في عام 2013، بعد عشرين سنة من وفاته، لم تستطع أن تلغي الحب أو تشوّه الصفاء في "طلاق الحبايب"!