ارتفعت في الأيام الأخيرة وتيرة السّجال بين يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي بشكل يطرح عديد التساؤلات والمخاوف حول تواصل تشتت العائلة الوسطية الكبرى وما قد يخلفه من آثار سلبية. تونس – الشروق: أثار الخطاب المتبادل منذ مدة بين يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي جملة من التساؤلات لدى الراي العام حول تواصل فشل العائلة الوسطية التقدمية في تجميع بعضها البعض للتصدي لما يصفه المراقبون بالمخاطر المترتبة عن الدور الأول من الانتخابات الرئاسية والمُهددة في رأيهم للحياة السياسية والحزبية الطبيعية في البلاد. فالعائلة الوسطية دخلت هذه الانتخابات مُشتّتة بين أكثر من 10 مترشحين، اختار كل منهم العزف على انفراد فكانت النتيجة التي حصلوا عليها مخيبة للآمال وتثير المخاوف حول مكسب الوسطية الحزبية والسياسية. تشتت.. صراع .. وخوف من المجهول رغم هزيمة الرئاسية، لم تتعظ العائلة الوسطية بعدُ من الدرس ومازالت الى حد الآن تتصارع وتتبادل التهم وترفض الالتفاف في التشريعية وهو ما يهدد بترك فراغ كبير على الساحة السياسية ويتيح الفرصة لافتكاكها من مكونات أخرى يصفها المحللون ب»المجهولة». وخير دليل على ذلك ما حصل ولا يزال من «حرب كلامية» بين بعض من ترشحوا للانتخابات الأخيرة من هذه العائلة. وقد انعكس ذلك أيضا على علاقة أحزاب هؤلاء المترشحين ببعضها البعض.. كما ان الأحزاب الوسطية التي لم تقدم مرشحا للرئاسية فضلت الانقسام عند الاصطفاف وراء مرشحي الرئاسية (آفاق والمشروع والنداء اصطفوا وراء الزبيدي) وتحيا تونس وراء مرشحه يوسف الشاهد. وبالنسبة للدور الثاني مازالت مواقف العائلة الوسطية لم تتحدد بعد حول دعم احد المترشحين الاثنين. كما بدأت تظهر المخاوف حول ما ستكون عليه صورة الأحزاب الوسطية في الانتخابات التشريعية المنتظرة من تشتت وانقسام. بين الشاهد والزبيدي يُمثل تقلب العلاقة اليوم بين يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي أبرز مثال لتشتت الوسط ولتواصل صراع الزعامات فيه وأكبر دليل على ارتفاع حدة المخاوف من ضياع «مكسب الوسطية الحزبية» في البلاد. فكل منهما يمثل مجموعة أحزاب تمثل الوسط (تحيا تونس بالنسبة للشاهد والنداء وآفاق ومشروع تونس بالنسبة للزبيدي). وتنضاف لذلك بقية الأحزاب الوسطية الأخرى التي قدم كل منها مرشحا بشكل منفرد (البديل لمهدي جمعة – الدستوري الحر لعبير موسي– الأمل لسلمى اللومي – بني وطني لسعيد العايدي – التكتل الذي مثله في الانتخابات الرئاسية الياس الفخفاخ وقلب تونس الذي مثله نبيل القروي) . وقد بلغ الامر بالزبيدي والشاهد، الذين تجمعهما حكومة واحدة، حد تبادل تهم خطيرة وأحيانا تجاوز أعراف العمل الحكومي رغم أنه كان بالإمكان ان يبنيا كتلة وسطية كبرى. فالشاهد كوّن حزبا له مكانته اليوم على الساحة ويقول المراقبون أنه يمثل رمزا للشباب والتجديد وكون رصيدا من الخبرة في تسيير الدولة (كاتب دولة – رئيس حكومة). بينما يُمثل الزبيدي استمرارا للدولة الكلاسيكية وصاحب الخبرة في تسيير الشأن العام منذ حوالي 20 عاما (كاتب للبحث العلمي والتكنولوجيا بين 1999 و2000 - وزير الصحة في 2001 - وزير الدفاع منذ جانفي 2011 وبقي في نفس المنصب في حكومة الباجي قائد السبسي ثم في حكومة حمادي الجبالي حتى مارس 2013)- وزير الدفاع الوطني في حكومة يوسف الشاهد منذ سبتمبر 2017 إلى اليوم). وكان بالإمكان ان يمثل اجتماعهما افضل بداية لتجميع عائلة الوسط لكن.. سلبيات وأخطاء هذه المؤشرات الإيجابية التي يحملها الرجلان سرعان ما «قصفتها» بعض السلبيات التي بدأت تظهر على كل منهما في الآونة الأخيرة وتكاد تُشوه مسارهما كرجلي دولة وسياسة وتهدد بقصف نهائي لكل بوادر الالتقاء في إطار العائلة الوسطية. فالشاهد لم يكن موحدا بالشكل الكافي طيلة السنوات الماضية وخاصة بعد خروجه من نداء تونس وتأسيس حركة تحيا تونس واتسم أداؤه ببعض التسرع في بعض الأحيان ولم يكن حذرا في انتقاء المحيطين به والذين كانوا محل انتقادات عديدة واتهامات خطيرة إلى جانب بعض الغموض والتردد خاصة على مستوى الاصطفاف السياسي. كما لم يكن الشاهد حذرا في حملته الانتخابية الأخيرة رغم محاولته في الأخير (بعد صدور نتائج الدور الأول ) لملمة المسالة ودعوة العائلة الوسطية الى الالتفاف في التشريعية بهدف توحيد الصفوف والدخول إلى الانتخابات التشريعية موحدين حتى لا تتشتت الأصوات وحتى تتمكن العائلة الديمقراطية من تكوين كتلة برلمانية وازنة. وقد توجيه بدعوة خاصة لعبد الكريم الزبيدي. أما عبد الكريم الزبيدي فانه، إلى جانب قدومه الى الشأن السياسي بشكل متأخر، أراد بسرعة لعب دور سياسي متقدم في تجميع الوسط وربما الاستحواذ بمفرده على العائلة الوسطية واختار مهاجمة خصومه خاصة يوسف الشاهد عندما انتقده أثناء الحملة الانتخابية وتحدث عن بعض مساوئه وواصل في الاتجاه ذاته منذ يومين عندما نشر رسالة مفتوحة على صفحته الرسمية بالفايسبوك رفض فيها دعوة يوسف الشاهد للتقارب من أجل انقاذ تونس، وطلب منه أن يعترف بفشله وبمسؤوليته ويستقيل من منصبه. وقد وصف الشاهد هذه التصريحات ب»غير المسؤولة « معتبرا أن الوضع الراهن للبلاد يتطلب» تجميع التونسيين وتوحيدهم وليس تفرقتهم «.. مكسب الوسطية كل ذلك يؤكد حتمية عمل الرجلين وغيرهما على حماية هذا المكسب الهام (الوسطية السياسية والحزبية). فالوسطية مثلت منذ الاستقلال الى اليوم حصنا هاما أمام كل محاولات استحواذ التطرف السياسي على السلطة وعلى المشهد الحزبي وعلى المجتمع.. حيث ظلّ هذا المكسب طيلة العقود الماضية حاميا لمكتسبات الحرية والحداثة والتقدمية والاعتدال في البلاد والتي تعود عليها المجتمع التونسي وأصبح غير قادر على العيش دونها، ولولاه لما غرقت البلاد في متاهات التطرف في احد الاتجاهين وهو ما عمل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على المحافظة عليه عندما أسس حزب نداء تونس في 2012 وإلى حين وفاته. الباجي ترك فراغا كبيرا ما يؤكد أهمية الوسطية السياسية والحزبية هو ما قام به الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي منذ سنة 2012 عندما أسس حزب نداء تونس الذي كان بمثابة حزب وسطي كبيرو تمكن في ظرف وجيز من خلق التوازن على الساحة السياسية مع التيار الإسلامي الذي تقوده آنذاك النهضة وبدد المخاوف حول إمكانية المسّ بمكتسبات الوسطية (الحداثة – الاعتدال – التقدمية). فالباجي قائد السبسي تمكن من فرض هذا التوازن داخل منظومة الحكم عندما ضمت الحكومة الأولى أحزاب نداء تونس وآفاق تونس والوطني الحر إلى جانب النهضة ثم عندما جاءت حكومة الوحدة الوطنية وضمت أيضا أغلب مكونات العائلة الوسطية. ونجح الباجي قائد السبسي أيضا في ممارسة ضغط غير مباشر على حركة النهضة حتى تشرع في تغيير خطها السياسي نحو الاعتدال. اليوم وبعد رحيل الباجي قائد السبسي إضافة الى ما أصاب حزب نداء تونس من أزمات، تبدو قوة الوسط في طريقها نحو الضياع والضعف وتفاقم التشتت خاصة في ظل العلاقة المتقلبة اليوم بين الأحزاب الممثلة لها ما لم تتدارك أمرها بسرعة..