تونس (الشروق): المحاصصة الحزبية ورم سيطر على مفاصل السلطة التشريعية على امتداد خمس سنوات وامتد حتى خارج المؤسسة التسريعية وشكل كل القطاعات التي للبرلمان نفوذ وامتداد فيها ، فهذه المحاصصة التي انبنى عليها الجزء الأكبر من عمل البرلمان لم يكن لها أثر سلبي على عمل مجلس نواب السعب فقط بل أثرت على كل الهياكل التي لها علاق مباشرة به . يمكن الانطلاق في الحديث عن المحاصصة من اليات تقسيم النفوذ داخل هياكل البرلمان التي تعتمد أساسا على التمثيل النسبي ،ويعتبر عدد من الخبراء في القانون ان هذه الالية في حد ذاتها تعتبر شكلا من اشكال المحاصصة ، ويمكن في هذا السياق العودة الى تركيبة مكتب المجلس الذي حُرمت من عضويته بعض الكتل النيابية بسبب الية التمثيل النسبي ، التي مكنت الكُتل الكبرى من احكام قبضتها على هذا الهيكل في حين وجدت كتل أخرى نفسها خارجه تماما. الحكومة المحاصصة تمتد الى تركيبة الحكومة التي للبرلمان صلاحية منحها الثقة او سحب الثقة منها ، كما لكتلة الأغلبية الحق في اختيار من يترأس الحكومة ، ومن هذا المنطلق وارتباطا بان تركيبة المشهد البرلماني عادة ما تحمل في طياتها كُتلا برلمانية بحجم متوسط او صغير فان محاولة تجميع عدد من النواب يكفي لصمان اغلبية مريحة للحكومة يستوجب الدخول في مفاوضات مع أحزاب وكتل عديدة وهو ما يفتح الباب امام المحاصصة . خطورة المحاصصة في علاقة بالحكومة ليست مجرد تقاسم النفوذ في التشكيلة الحكومية بل يمتد الامر الى غاية تغليب منطق المحاصصة على الكفاءة وهو ما يُضعف تركيبتها ويجعلها عاجزة عن التعاطي مع الملفات ، كما أن المحاصصة تسبّبت في تعطيل اجراء أي تحوير وزاري فأي تغيير يتم إدخاله على التشكيلة الحكومية يستوجب بالضرورة إعادة النظر في التوازنات السياسية التي تحكم أسس دعم الحكومة. المعتمدين والولاة المحاصصة لم تشمل تركيبة الحكومة فقط بل طالت عديد الاسلاك مثل الولاة والمعتمدين والمديرين .. وهي مسؤوليات خضعت لمنطق تقاسم النفوذ الحزبي وعقّدت هذا الملف الى درجة أن هذه التعيينات تبقى أشهرا في التداول والنقاش إلى ان يتم إعلانها ، وحتى بعد الإعلان تبقى الاستتباعات متواصلة وتتضح معالمها في صراعات حزبية خفية ومعلنة وحروب باردة تُخاض بشعارات مختلفة لكن التدقيق في أسبابها الحقيقية يحيلنا الى خلافات حول هذه المناصب . المحكمة الدستورية خارج اطار السلطة التنفيذية ،امتدت تأثيرات المحاصصة الحزبية حتى الى الهيئات الدستورية التي من المفترض انها مستقلة ، لكن سطوة البرلمان في انتخاب أعضائها جعلها تخضع أساسا الى منطق المحاصصة ، وفي هذا السياق يبرز ملف المحكمة الدستورية كأحد اهم الأدلة على سوء العمل بمنطق المحاصصة. بعد أكثر من خمس سنوات من المصادقة على الدستور بقي البرلمان عاجزا عن انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية ،فبعد انتخاب روضة الورسغيني علق البرلمان في سلسلة من الجلسات العامة التي لم تفض الا الى تبادل التهم بين النواب والأحزاب وبقيت تونس بلا محكمة دستورية ، وما يزيد من خطورة هذا الامر ان تونس احتاجت المحكمة الدستورية في العديد من المفاصل الجوهرية منها وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ، وسجن نبيل القروي وبقائه في سباق الرئاسيات. المحكمة الدستورية... ضحية المحاصصة الحزبية فشل مجلس نواب في حسم ملف المحكمة الدستورية ، بسبب الصراعات السياسية بين الكتل النيابية ، وبقي البرلمان يدور في حلقة مفرغة بسبب عدم الاتفاق على الأسماء التي كان من المفترض التصويت لصالحها ، بالرغم من الساعات الطويلة التي قضاها النواب في النقاشات سواء في لجنة التوافقات او حتى خارج أسوار البرلمان وفي كواليس الأحزاب. صعوبة التصويت للاعضاء الأربعة الذين من المفترض ان ينتخبهم البرلمان حتى يشكلوا جزء من تركيبة المحكمة الدستورية ، تكمن من الناحية العددية في صعوبة جمع أغلبية الثلثين ( 145 نائبا) وهي الأغلبية التي نص عليها القانون ،أما من الناحية السياسية فيعود الامر الى ان الأحزاب تبحث عن موطئ قدم لها داخل هذا الهيكل. تمسّك الأحزاب بمرشحيها لعضوية المحكمة الدستورية وضعف مساحة التنازل وتقوية فرص التوافق ، جعلت من البرلمان يعلق في هذا الملف ويجعل تونس مفتوحة على عديد السيناريوات السيئة في غياب هذا الهيكل. تسبيق المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن ،جعل الكتل البرلمانية تفكر بمنطق المحاصصة وليس بمنطق الكفاءة وهو ما عطّل تركيز المحكمة الدستورية ، مما جعل تونس تكاد تدخل منعرجات شديدة الخطورة خاصة بعد وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحبس المترشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي وعدم توقيع الرئيس الراحل السبسي لمشروع القانون المنقح للقانون الانتخابي. المحاصصة في هياكل البرلمان اعتبر الأستاذ في القانون الدستوري قيس سعيد أنّ توزيع حصص الكتل النيابية بمجلس نواب الشعب والمسؤوليات صلب مكاتب اللجان وعضويتها حسب قاعدة التمثيل النسبي التي تمّ الاعلان عنها اليوم "لا يمثّل التونسيين الذين توجّهوا إلى مكاتب الإقتراع" . وأضاف سعيّد في تصريح اعلامي قبل أشهر ،أن "هذا التوزيع غلبت عليه المحاصصة الحزبية وجاء وفقا لتغيّر التوازنات داخل مجلس نواب الشعب وخارجه واستعدادا لقادم المحطّات الانتخابية وتحسبا لتمرير المشاريع التي يريدون تمريرها في ما تبقى من عمل البرلمان" . المحاصصة الحزبية «من الكبائر» أكّد الأستاذ الجامعي رافع بن عاشور أنه منذ اعتماد المجلس الوطني التأسيسي (2011 – 2014) النظام البرلماني كنموذج للحكم في تونس بمقتضى القانون التأسيسي المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 وتأكيد هذا الاختيار بمقتضى الدستور المؤرخ في 27 جانفي 2014، لم يخل الجدل حول تشكيل كل حكومة من الحكومات المتعاقبة على الحكم في بلدنا من الحديث عن«المحاصصة» الحزبية التي ميزت جل هذه الحكومات. وطفى هذا الجدل على الساحة الإعلامية والسياسية مجددا بمناسبة الحوار حول حكومة الوحدة الوطنية وبمناسبة انطلاق المشاورات حول تشكيل الحكومة المقبلة برئاسة السيد يوسف الشاهد. ويلاحظ المتمعن في هذا الجدل والمتتبع لمجاريه أن «المحاصصة» الحزبية يعتبرها الكثير من الكبائر التي وقعت فيها على التوالي حكومات السادة حمادي الجبالي وعلي العريض والحبيب الصيد ولم تسلم منها، للضرورة، إلا حكومة السيد المهدي جمعة باعتبارها حكومة «كفاءات وطنية». حقائب وزارية بالولاءات حذّر الخبير الاقتصادي معز الجودي منذ الإعلان عن تشكيلة حكومة الحبيب الصيد ، من خطورة المحاصصة الحزبية ، وقال مُعز الجودي إن تونس تحتاج إلى حكومة إصلاح وليس إلى حكومة «محاصصة حزبية» ، واعتبر ان توزيع الحقائب الوزارية في هذه الحكومة كان «حسب الولاءات ووعود كل حزب بالتصويت على هذه الحكومة، وكان من المفترض على الصيد أن يحدد برنامج العمل في محاور وتوجهات وأهداف وفي إطار هذا البرنامج يحدد تركيبة الحكومة وأسماء الوزراء».