تتجه الأنظار، الأحد القادم، الى صناديق الاقتراع في كامل جهات البلاد التي ستفرز 217 نائبا للسلطة التشريعية للسنوات الخمسة القادمة... مشارب واتجاهات سياسية متعددة ومتنوعة «تتصارع» من أجل الفوز بمقعد في المجلس التشريعي القادم في غياب واضح للكفاءات الثقافية والفكرية والفنية وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول سرّ هذا الغياب عن الحضور والمشاركة في أعلى سلطة تشريعية في البلاد لهذه الكفاءات؟ وهل هذا الغياب اختياري؟ ام ان أهل السياسة «تكاتفوا» لإبعاد هذه الفئة وبالتالي تهميشها...؟ ابراهيم درغوثي (روائي) المنظومة الحاكمة وراء عزوف المثقف هذا سؤال مشروع جدا كان من المفروض أن يطرح منذ زمن بعيد، زمن بدايات العمل البرلماني في تونس المستقلة. وقد تعاقبت البرلمانات على هذه البلاد منذ المجلس التأسيسي الأول الذي وقع انتخابه سنة 1956 مباشرة بعد إعلان استقلال تونس حتى الآن مرورا بمجلس النواب ومجلس الشعب المنتخب سنة 2014 دون أن يكون فيه حضور يذكر للمثقفين والمبدعين التونسيين إلا من كان على علاقة ببورقيبة وبحزبه الحر الدستوري (وما أقلهم) لعل أشهرهم الأديب محمد العروسي المطوي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الذي اختير ل (مجلس الأمة) طيلة عشرين سنة من 1965 حتى سنة 1986 أي على مدى عشرين سنة متوالية. وأذكر كذلك الأديب صلاح الدين بوجاه الذي انتخب لمجلس النواب لعدة دورات بعد سنة 1987 وهو أيضا رئيس سابق لاتحاد الكتاب التونسيين. ان هذه المجالس التي تعاقب على الجلوس على مقاعدها من هب ودب من « نواب الشعب « من الأميين بالمعنى الحاف للكلمة إلى أشباه الأميين لم يجد المثقف له مكانا على كراسيها الوثيرة لعدة اعتبارات لعل أهمها: 1/ عزوف المثقفين على الانتساب للأحزاب التي حكمت تونس في عهدي بورقيبة وابن علي. وهذه الأحزاب وحدها من كانت لها سلطة إيصال منتسبيها إلى تلك المجالس. 2/ العداء الذي كان يكنه الزعيم بورقيبة للمثقفين باعتباره المثقف الأكبر في تونس ولا ثقافة خارج توجيهاته الحكيمة. 3/ رغم أن بن علي كان علاقة « غير عدائية « خاصة مع مثقفي سلطته إلا أنه ما كان يسمح لهم بالوصول إلى «مجلس النواب « أولا ثم «مجلس المستشارين « في آخر عهده إلا بعد تزكية من « التجمع الدستوري الديموقراطي « ، حزب الرئيس ، ينالها المترشح لهذا المقام الرفيع. 4/ بعد 11 جانفي ظل الحال على حاله تقريبا لأن المثقف بقي خارج المنظومة الحاكمة في دولة ساد فيها أصحاب الجاه والمال والأعمال من جهة ومريدي شيوخ القبيلة من جهة أخرى. الناصر صمود (فنان وملحن) المثقف الحق يرى السلطة في فكره وإبداعه في الحقيقة كان على السؤال ان يكون لماذا لا نجد الكفاءات الثقافية والفكرية والفنية في السياسة. وهو سؤال استنكاري بامتياز وكأننا نقول لا توجد هاته الكفاءات في العمل السياسي. لأن العمل السياسي هو عمل يقترن لا محالة بالمصلحة المباشرة الفورية التي تمنحها السلطة باعتبار أن رجل السياسة تصبح له سلطة لا محالة. والمفكر والمثقف والمبدع اهتماماته تخلف عن طموحات من يريد السلطة. وكذلك يرى السلطة في فكره وابداعاته زد على ذلك عدم اهتمامه بجمع المال فأنت ترى من يتكالب على السلطة في أيامنا هاته هم رجال الأعمال والمال. أو من اشتغلوا في السياسة ولم ينالوا حظهم فتراهم اليوم يهرولون نحو البرلمان وغيره من المناصب حتى يحققوا حلما راودهم من قديم الزمان. الحلم بالجاه والمال. إذا فالمثقف الحقيقي والفنان والمفكر لا تستهويه السياسة للأسباب التي ذكرتها سلفا. زد على أن البرلمان تستهويه السياحة الحزبية وقلبان «الفيستة «وهاته ليست من هواية من يمتلك فكرا يدافع به عليه. محمد الجابلّي (روائي وباحث) قدر الكاتب الحقيقي دوما الوقوف في صف الخاسرين في حفل تتويجه بجائزة نوبل للآداب قال الألماني «غ غراس» « قدر الكاتب الحقيقي أن يقف دوما في صف الخاسرين...» وصف الخاسرين – في اعتقادي- هو صف الحقيقة المغيّبة في التاريخ البشري وفي كل مراحله، هو صف المحرومين والمظلومين عبر تلك المسيرة الدامية للبشرية، وربما في ذلك إضاءة ترتبط بسؤالكم، ومسيرتنا السياسية القديمة أو القريبة تحيل على ذئبية ولصوصية، حتى ارتبطت السياسة بفن الحيل والوصولية والانتهازية ولا أعتقد أن كاتبا محترما أو مبدعا أو مثقفا رصينا سيبيح لنفسه غمار المستنقع وبما أن المقدمات موصولة بالنتائج فلا يمكن للمثقف أن يسلك طريق الكذب والزيف والتغرير والغواية... وفي تقديري الشخصي أن مبدعا حقيقيا لو غامر وخاض غمار التجربة سيتعثر صوته أولا فيما يسمونه حملة دعائية، لأنه يدرك عدم قدرته المسبقة على تنفيذ تلك الوعود التي يسوقونها بكل اليسر على أنها ستتحقق، ستتحنط الكلمات بين شفتيه وسيحتقر نفسه قبل أن يحتقره الآخرون...ثم لو فاز مثلا ليكون «نائبا» في مجلس النواب، حتما ستخنقه العبرات حين يكتشف عجزه وحين يصطدم باللاجدوى زيادة على النفاق وبيع وشراء الذمم، لذلك حتى لو فاز بصوت الناخبين سيتعرّى عبر العجز في منظومة محدودة ومآلها معلوم عندها سيزداد شقاء وحتما سيستقيل من مهمة مخادعة بلا أفق... وكأن السبيل الى السياسة – للأسف- موصول بامتحان قبول الامتهان والتزلف والمرور عبر أحزاب محدودة الأفق والتصوّر ... محسن بن نفيسة (كاتب مسرحي) السياسي يخشى المثقف ولا يراه معه في بناء المستقبل من أول الدنيا السياسي والمثقف خطان متوازيان ...والعلاقة بينهما متشنجة في صدام دائم...السياسي نظرته مما هو كائن والمثقف نظرته مما يجب ان يكون. وبين الواقعية والمثالية بون شاسع... لذلك يخشى السياسي المثقف ولا يراه معه في بناء المستقبل... وفي تونس في اللحظة الحاضرة اختلط الحابل بالنابل.. نتيجة مخطط له سنوات. عمل السياسي على تفجير كتلة المثقفين والنخبة وذلك بإعلاء الجاهل وبخس العالم. فانكمشت هذه الفئة رغم قلتها واوصدت باب المعرفة عليها خشية التطاول .... فاليوم لا يجوز الحديث عن النخبة والمثقفين.... فمن هم؟؟ كذلك السياسي ...من هو؟؟...كل يدلو بدلوه والبئر جافة لا ماء فيها بعض الاستثناءات. عادل معيزي (شاعر) المثقف يرفض أن يقتات من الخطابات المغشوشة لعلنا لم نجد عتمة أشدّ من هذه التي تحبطنا من كل جانب ونحن بين بداهة ثورة الشباب الحالم وحكم الشيوخ الذين يسعون بكل ما رثوه إلى تدمير الخيال والروح الجامحة.. وليست الشيخوخة عمرا طويلا أو سنّا متقدّمة أو جسدا مترهّلا وإنما هي روح مستسلمة وخاملة وذات أحزان حذرة وأفراح منحرفة روح تعوّدت الاختفاء خلف الهزائم المُقدّرة علينا.. أما المثقفون والمبدعون والمفكرون والفنّانون فإنّ جوهرهم قائم على روح الشباب الذي يبدأ بالاصطدام بما يعتبره الآخرون قدرا محتوما، إذ أن الميل إلى ما يثير العواطف في السياسة والقانون ينمّ عن سطحيّة سيئة الذوق لذلك فإنّ فئة المبدعين والمثقفين وإن كانت تشتغل بالعاطفة وتنشغل بها، فإنّها لا تجعلها محطّ وعود سياسية قذرة فضلا عن الخوض في أمر الله الذي تمّ استهلاك مطلقه في برلمان يُشعرنا في أحيان كثيرة أنّنا نقف صفًّا صفًّا أمام الأرهاط اللامبالية أولئك الذين يقتاتون من الخطابات المغشوشة من الثرثارين البارعين في «تقنية اللاشيء» لذلك وأنت تبحث عن الكفاءات الثقافية والفكرية في برلمان شبيه بمستشفى مجانين وكأنك تبحث عن الكذب في شكل من أشكال الموهبة مَن بعد هذا يستطيع أن ينتخب فئة لا تفكّرُ في الآني بتوازناته ومعادلاته بقدر تفكيرها في إشباع الأمل والحلم بوطن ممكن؟؟ لم توجد ثورة رئيسية في التاريخ بدون المثقفين وعلى نحو معكوس لم توجد حركة مضادة للثورة بدون المثقفين لذلك فالخيار الرئيسي الذي يواجهه المثقف هو إما أن يتحالف مع استقرار المنتصرين والحكام وإما - وهذا هو الدرب الاصعب - أن يعتبر أنَّ الاستقرار حالة طارئة تهدد الأقل حظاً بخطر الانقراض الكامل ويأخذ بالحسبان تجربة التبعية ذاتها وذكرى الأصوات والأشخاص المنسيين أيضاً عليك أن تستمر بتذكير نفسك أنك كمثقف أنت القادر على أن تختار بين الإيجابي : وهو أنْ تقدم الحقيقة على أحسن وجه تستطيع , والسلبي : وهو أن تسمح لراع أو سلطة أنْ توجهك على حد عبارة ادوارد سعيد د. نوفل بن عيسى (مؤلف موسيقي وعازف وباحث وأكاديمي) المشهد السياسي اليوم يفتقر الى النضج الفكري والثقافي دخل البرلمان البعض من اهل الفن ولكنهم لم تكن لهم اي إفادة للمهن الفنية ولا وقع على التشريعات واظن من كان منهم في التأسيسي او في البرلمان، حسب ما تبين، من باب الانتهازية أكثر منه من باب النضالية كعدد كبير من النواب. ولكن منهم من كان له وقع وأثر طيب على غرار الأستاذ سالم الابيض مع انه رجح الجانب النضالي كيساري على الجانب الفكري والأدبي وعلى كل فالمشهد السياسي يفتقر إلى النضج الفكري والثقافي وكذلك الميدان الفني على غرار عموم الشعب فكيف يكون البرلمان مغايرا. ومن ناحية أخرى فأصحاب الفكر ورجالات الثقافة ونسائها وأهل الفن هاجسهم التموقع في مجتمع يعيشون فيه كالغرباء ودولة تعاملهم كالمرتزقة وامال في تحقيق اهداف ومشاريع وأفكار يدركون جيدا انها لن تتحقق في وطن اختلط فيه الحابل بالنابل وتشتت فيه السبل بين التهريج والتنشيط والعمل الفني والإبداع الثقافي واخيرا ربما يكون الجواب في كون اهل الفكر والثقافة والفن الحقيقيين لهم من العفة إلتي تحول بينهم والاختلاط بجمع يتصف في نسبة كبيرة بالمحسوبية والانتهازية والزبونية والسفاهة والكذب والبهتان وان كان فيه بعض الشرفاء والنزهاء والمناضلين من أصحاب المبادئ اي بعض الاستثناءات . خالد العجرودي (شاعر) يبدو لي ان الفنانين والمثقفين عموما لا يجدون أنفسهم في السياسة طبيعة السياسة بما هي مناورات وتحول في المواقف لا تتوافق مع طبيعة المثقف المبدئية من جهة اخرى الطبقة السياسية في تونس تعادي الثقافة عموما والفكر النقدي خصوصا وتميل الى التسطيح والتفاهة السياسي يرى في المثقف مجرد تابع وجزء من البروباقندا كما هو حاصل مع أحد مرشحي الرئاسة الان عموما دولة بشكل غير مثقفة لان من يقودها كذلك من السياسيين اليوم يذهب الى مسرحية او يقتني كتابا خارج الاستعراض السياسي