السيول تداهم الأودية.. وخبير طقس يحذّر من مخاطر الطرقات    قضايا الفساد المالي: رفض الإفراج عن مسؤولين سابقين بوزارة التربية وتأجيل المحاكمة    وزير الاقتصاد يتباحث مع المدير الإقليمي للمنطقة المغاربية بمؤسسة التمويل الدولية، سبل تعزيز التعاون.    محرز الغنوشي يُحذّر من تواصل الأمطار هذه الليلة    مناظرة هامة بوزارة التجهيز.. #خبر_عاجل    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    عاجل/ يهم المخدرات والاحتكار: رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات لوزير الداخلية وكاتب الدولة للأمن وآمر الحرس..    ذعر جوي في كوبنهاغن وأوسلو بعد تحليق طائرات مسيّرة قرب المدارج: ماذا حدث؟    عاجل/ النّائب محمد علي يكشف آخر مستجدات "أسطول الصمود"..    ماذا حدث في مطار مدينة نيس الفرنسية بين طائرة 'نوفلار' و'ايزي جات'؟    أنجلينا جولي: لا أعترف بأميركا حالياً    أمطار قياسية في مناطق من تونس.. الأرقام كبيرة    عاجل: هذا هو المدرب الجديد لاتحاد بن قردان!    رئيس الدولة: ضرورة تجاوز العراقيل الإدارية لتعزيز الاستثمارات الكويتية في تونس    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بسارة الزعفراني الزنزري؟    عاجل:برد ورعد وأمطار غزيرة في العشية.. خذوا احتياطاتكم    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة برئيسي البرلمان والمجلس الوطني للجهات..    إسبانيا تهدد بالرد على أي عمل إسرائيلي ضد أسطول الحرية    أهم كميات الأمطار ال 24 ساعة الفارطة    رئاسة مؤتمر حل الدولتين: إنهاء الحرب في غزة أولوية قصوى    نجاة من كارثة محققة في مطار نيس: طائرتان تفلتان من اصطدام مروع    حجز حوالي 4523 كغ من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك    أكسيوس: ترامب سيقدم مقترحًا لقادة عرب بشأن مستقبل غزة    عاجل/ احباط عملية تهريب جديدة للمخدرات بميناء رادس..وهذه التفاصيل..    وزارة الفلاحة تطلق مشروع التنمية الشاملة للزراعات الجبلية الصغرى بالشمال الغربي - دينامو-    زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته    المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    منزل تميم .. لحماية صابة الفلفل الأحمر فلاّحو منزل حر يطالبون بتوفير المبيدات    لامين يامال أفضل لاعب شاب في العالم    زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة    التقلبات الجوية.. الحماية المدنيّة توصي بتوخّي الحذر والابتعاد عن ضفاف الأودية    اولمبيك سيدي بوزيد.. المدرب جمال بالهادي يعلن انسحابه    إنتبه لها.. 10 علامات مُبكّرة للزهايمر    يا توانسة ردّوا بالكم: مواد غذائية فاسدة محجوزة في برشا ولايات!    عاجل/ بلاغ هام من الحماية المدنيّة بخصوص التقلّبات الجوية    كريم دلهوم مدربا جديدا لاتحاد بن قردان    مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي    الحلبة: فوائد كبيرة.. لكن هذه الأضرار لا تتوقعها!    عاجل: أمطار رعدية مع برد تتقدم للشمال والوسط التونسي    منظمة إرشاد المستهلك : ''غلاء اللّحوم والإنترنت يوجّع في جيوب التوانسة''    صيام ربيع الثاني: برشا أجر في 3 أيّام برك...أعرفهم    دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    عاجل : مباريات قوية مؤجلة من الجولة السابعة في الرابطة الأولى هذا الأربعاء!    كميّات الأمطار المسجلة بعدد من مناطق البلاد    كيفاش تعرف السمك ''ميّت'' قبل ما تشريه؟    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 في الساعات الأولى من صباح الإثنين    5 سنوات سجناً لشيخ حاول اغتصاب طفل بحديقة الباساج    أحكام بين 10 و20 سنة سجنا في قضية تهريب مخدرات أطيح بأفرادها عبر "درون"    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنصف المرزوقي : عندما كنت في الحكم تفاجأت بأن من وقف ضدي وعاداني هم المثقفون
نشر في الصريح يوم 06 - 06 - 2018

في نطاق المسامرات الرمضانية التي يقيمها حزب الحراك التأمت ندوة فكرية ليلة يوم السبت 2 جوان الجاري احتضنها نزل المشتل بالعاصمة وتولى تأثيثها رئيس الجمهورية الأسبق محمد المنصف المرزوقي الذي صدر له مؤخرا كتاب جديد " شعراء بلا حدود " تمحورت حول العلاقة بين الثقافي والسياسي وطرحت إشكالية وصول المثقف والمفكر إلى الحكم وممارسته السلطة وهي وضعية المحاضر وقضية الاكراهات التي تعترض المثقف حينما يمارس الحكم والصعوبات التي تعيق ظهوره على الصورة التي كان عليها حينما كان يمارس مهمة النقد وتشكيل الوعي وإنتاج المعرفة .
ينطلق المحاضر في حديثه من صورة المثقف السياسي في الوطن العربي ومن سؤال عدم رضى المجتمعات العربية حينما يصل المثقف إلى الحكم ويمارس السلطة وصعوبة قبوله بالحاكم القادم من الفضاء الفكري والثقافي في إحالة على تجربة حكمه التي لاقت صعوبات كثيرة بعد أن تم تعمد تشويهه من قبل المثقفين من أمثاله قبل عامة الشعب. كما تعرض إلى العلاقة الممكن إيجادها بين المثقف والسياسي في علاقة بالأزمة التي يتخبط فيها الشعب التونسي الذي حكمه الكثير من المسؤولين الذين لا علاقة لهم بالفكر والثقافة والمعرفة وأنتجوا في الممارسة كوارث أضرت بالناس وبالوطن في دلالة إلى احتياج مجتمعاتنا إلى المفكر والمثقف في السلطة وفي هذا المستوى من التفكير يعتبر المرزوقي أن الرؤساء العرب الذين قامت عليهم الثورة لو قرؤوا رواية " شرق المتوسط " لعبد الرحمان منيف لما حكموا بتلك الطريقة الاستبدادية ولما آل حالهم إلى ما آل إليه ولما عرفوا ذلك المصير المأساوي خاصة نهاية صدام حسين والقذافي فلو قرؤوا شرق المتوسط لما تصرفوا بتلك الطريقة في الحكم والتي أنتجت استبدادا وظلما وهدرا للطاقات وسرقة للمال العام وحيفا اجتماعيا وخللا سياسيا من نتائجه قيام ثورات عربية على أنظمة حكمهم .. لقد أثرت في رواية عبد الرحمان منيف وغيرت حياتي وأحدثت نقلة نوعية في فكري وأنا لا أزال شابا .. لو قرأ كل الساسة العرب شرق المتوسط لكان حال العالم العربي أفضل. لو قٍرأ حكامنا العرب التاريخ لما كرروه ولما أعادوا انتاج مآسيه فمشكلتنا هي أن من يأتي ليحكمنا لا يقرأ وليست له علاقة بعالم الفكر والمعرفة والثقافة وقصة التوريث مثلا وموضوع التمسك بالسلطة وكرسي الحكم وتقديم مصلحة العائلة على مصلحة الوطن هي كلها من جهلنا بالتاريخ فلو قرؤوا التاريخ لاتعظوا به ولما فكروا في توريث أبنائهم الحكم والسلطة.
بعد هذه المقدمة التي أطر بها المرزوقي حديثه عن علاقة الثقافي بالسياسي وعن حاجة الإنسان العربي إلى حاكم قادم من الحقل الثقافي ورجل سلطة يكون مثقفا ومفكرا على غرار الكثير من مجتمعات ما وراء البحار التي حظيت برموز في الحكم من أهل الفكر والثقافة ، تحدث عن ضرورة ضبط المفاهيم لفهم العلاقة بين السياسة والثقافة واعتمد مقاربة في تحديد المصطلحات لا تقوم على المفاهيم المعجمية والأكاديمية وإنما هي مؤسسة على تجربته وما انتهى إليه من خلال ممارسته العملية يقول : عادة ما يحدث لبس في مفهوم السياسة والثقافة وهذا ما يخلف صعوبات في الفهم ففي تصوري الخاص السياسة لها معنيان ضيق وواسع فأما المفهوم الواسع فتوضحه لهجتنا العامية واستعمالنا اليومي الذي يحيل على معنى الحذر والتنبه نقول بلهجتنا العامية " بالسياسة " و " سايس " أي استعمل اللطف والرفق والتأني ومن مقاصدها حل المشاكل بعد خفض منسوب العنف والاحتقان. بهذا المفهوم فإن كل البشر يمارسون السياسة .
أما المفهوم الضيق فهو عندي يعني فن الوصول إلى السلطة والتمسك بها وممارستها وهنا ضيقنا المفهوم الواسع وهو المعنى الذي يذهب إليه عادة أغلب الناس وبهذا المعنى فإن جانبا من الشعب فقط هو الذي يمارس الحكم والسلطة وفي التجربة العملية هناك تجربة نلسن منديلا التي تقوم على فكرة الوصول إلى السلطة وممارستها من أجل خدمة الصالح العام وتحقيق أهداف نبيلة حتى وإن عادت ببعض النفع الخاص. وتجربة بن علي التي تتلخص في الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها من أجل تحقيق غايات فئوية لبعض الأشخاص واستغلال الصالح العام لفائدة الصالح الخاص حتى وإن تحقق في ظلها بعض المنافع العامة.
ونفس الشيء نقوله عن الثقافة التي لها هي الأخرى معنى ضيق وآخر واسع فأما مفهومها العام فيقوم على فكرة أن البشر لا ينتجون المادة من مال وغيره فقط وإنما هم مع ذلك ينتجون أشياء لا مادية كالفنون والجماليات والأدب والمعرفة والثقافة والإبداع وهذا ما يعبر عنه بالثروة اللامادية. أما معنى الثقافة الضيق فيقوم على فكرة أن المثقف ليس ذاك الشخص الذي يغذي بإنتاجه الفني فقط وإنما المثقف هو من يستعمل سلطته المعنوية ويستغلها من أجل التدخل والتأثير في الشأن العام و في الشأن السياسي وهو مفهوم ورثناه عن الفكر الفرنسي الذي يربط بين الفكر والثقافة والسياسة ويطالب المثقف أن يوظف معارفه وسلطته المعنوية في قضية سياسية وهو مفهوم لا نجد له مثيلا في الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية التي تفصل بين وظيفة المثقف ووظيفة السياسي ففي هذه التجارب يمارس المثقف دوره كمثقف من دون أن يتدخل في الشأن السياسي بمعنى أن المثقف والمفكر في هذه الدول يمارس الثقافة للثقافة ومن أجل الارتقاء بالذوق العام للناس ونشر المعرفة وإنتاج الوعي الفكري لا غير وقدموا لنا ثلاثة أمثلة لتدخل المثقف في السياسة وهم فولتار الذي دافع عن مدنيين وقع اضطهادهم وإيميل زولا الذي دافع عن يهود مضطهدين وأخيرا جون بول سارتر الذي دافع عن الجزائريين زمن الاحتلال الفرنسي.
من خلال التجربة العملية للمثقف العربي وعلاقته بالسلطة والسياسة يظهر حلم المثقف وطموحه في أن يرى أحلامه وأفكاره يطبقها السياسي وهو قابع في برجه العاجي وفي المقابل فإن السياسي العربي يسعى جاهدا أن يجلب المثقف إلى دائرة سلطانه ليجعل منه خادما للسياسة فكأن العلاقة بين الاثنين هي صراع عن السلطة من أجل توسيع الصلاحيات وهو صراع طبيعي قد يصل إلى حد أن يعادي السياسي المثقف أو العكس فيحصل ضغط إيجابي عندما لا يجد أحد الطرفين أهدافه ولكن في كل الأحوال ورغم اختلاف الفضاءين فإن الثقافة في حاجة إلى السياسة ولكن ليس بالقدر الذي نتصوره خاصة إذا اعتبرنا أن الثقافة تتمتع بقدر من الاستقلالية عن السياسة والسياسة هي الأخرى تحتاج إلى مثقفين بدرجة ما فالاثنان مستقلان بقدر كبير لكن بينهما مناطق تلاق وتواصل وتأثير وتأثر من أجل أن تواصل السياسة صراع السلطة والتجربة التاريخية قدمت لنا صورة على أن التيارين قد يسيران أحيانا في نفس الاتجاه فنحصل على حاكم مثقف وهي صورة السياسي الذي له قدر من الثقافة وفي حالات نادرة وشاذة نجد فيها المثقف قد وصل الى السلطة ومارس الحكم . فماذا يحصل حينما نجد مفكرا أو مثقفا يمارس الحكم ؟ هل تسهل ممارسة السياسة من وراء خلفية ثقافية ؟ وهل تسهل الثقافة مهمة المثقف في الحكم ؟ الاجابة الفورية من خلال التجربة العربية تقر عدم الرضى على وصول المثقف إلى سدة الحكم .
يقول المرزوقي : كنت أظن واعتقد أن وصولي كمثقف إلى السلطة سيسهل عليّ العمل وسوف أجد الدعم والمساندة خاصة إذا علم الشعب أن من يحكمه هو حاكم مستنير ومثقف وبالتالي لن يظلمه وسيخدم مصالحه ولكن ما حصل أني من خلال تجربة الحكم التي مارستها وجدت أن من وقف ضدي وعاداني هم المثقفون قبل العامة فهم لم يقبلوا أن يصل مثقف مثلهم إلى السلطة لقد أحسست بنوع من الجفوة والعداء والألم حينما دعوت مثقفين وفنانين إلى قصر قرطاج بعد أن أحدثت فيه حركية ثقافية وفكرية غير مسبوقة لتأثيث برامج ثقافية فرفضوا . ربما كان مرد رفضهم خوفهم من الاحتراق إن هم اقتربوا من السلطة ولكن رغم ذلك فقد آلمني موقفهم هذا.
يختم المرزوقي ندوته هذه بما بدأها به وهو دعوته حكام العرب إلى ضرورة قراءة كتاب شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف فمن لا يعرف ألم السجن وألم الاعتقال لا يمكن له أن ينجح في ممارسة الحكم وهذا ما يجعل للثقافة دورا مركزيا في تعديل ممارسة السلطة وتوجيهها الوجهة التي تخدم الناس والصالح العام فالحاكم القوي ليس بالضرورة عنيفا وإنما استعماله للعنف دليل على ضعفه فعندما يكون السياسي مسلحا بالثقافة فانه لا يتجرأ على توظيف العنف ضد شعبه ويجعلنا نطمئن إلى أنه لن ينحرف بالسلطة أو يتسبب في الحاق أضرار بالناس. إن الثقافة عندي هي نوع من الكوابح حتى لا يظلم الحاكم ولا ينحرف وحتى يأخذ القرارات الصائبة لذلك كان للثقافة قوانينها وللسياسة قوانينها وفي كل الأحوال فأن يكون لدينا حاكم مثقف أفضل من أن يكون لدينا سياسي من دون ثقافة فقيمة الحاكم في كونه مثقفا وقيمة السياسي في قدومه من الحقل الفكري وسياسة بلا ثقافة كالبيت الجميل من دون إضاءة.
كانت هذه ندوة المرزوقي حول علاقة الثقافي بالسياسي وأهمية أن يكون رجل السياسة من النخبة المثقفة وكذلك أهمية أن لا يبقى المثقف في برجه العاجي يمارس الثقافة من أجل الثقافة ولا ينزل إلى الميدان ويخوض تجربة الحكم ويوظف معارفه وفكره في سبيل الصالح العام وهو تصور يختلف فيه المرزوقي عن المفهوم القرامشي للمثقف وعن المثقف العضوي الذي يبقى دوما على هامش السلطة ينتقد ويوجه ويبث الوعي في صفوف الجماهير ويقود المعارضة في وجه كل انحراف سياسي حتى يحافظ على قيمته كمثقف يحتاج إليه المجتمع و لا يوظف ويستعمل في أغراض سياسية ويتحول من خادم للشعب إلى خادم للسلطة. فهل خسر المرزوقي دوره كمثقف حينما مارس تجربة الحكم والسلطة بسبب الاكراهات التي حالت دون قدرته على توظيف الثقافة في خدمة السياسة ؟ ولماذا قبل الشعب بالمستبد المستنير ولم يقبل بالمثقف الديمقراطي ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.