أفضت الانتخابات التشريعية في نتائجها الأولية التي قدمت الخطوط العريضة لخارطة البرلمان الجديد الى نتائج لا تنبئ بخير. حيث كان هناك توازن بين الأضداد. ولا وجود لحزب أغلبي بشكل فعلي. تونس "الشروق" تعتبر حصيلة الانتخابات التشريعية الأخيرة حصيلة طبيعية للنظام الانتخابي في البلاد ولمناخ انعدام الثقة في أغلب الأحزاب وعدم وجود حزب قادر على نيل أغلبية المقاعد في البرلمان الى جانب تنوع حتى من حيث الأطراف المتضادة ايديولوجيا وسياسيا وتقارب في ما بينها من حيث عدد المقاعد. دور البرلمان كل ذلك جعل الكثيرين يرون ان تلك الحصيلة لا تنبئ بخير. حيث انه اذا قارناها بالأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وأضفنا إليها طبيعة النظام السياسي الذي تم اعتماده في دستور 2014 والذي يشتت السلطة التنفيذية نجد أن من سيحكم البلاد خلال السنوات الخمس القادمة سيجد الكثير من العقبات اولاها نتيجة تلك الانتخابات في حد ذاتها. وبالعودة الى الدور الذي يلعبه البرلمان في نظامنا الجديد نجد انه محور كل السلطات. حيث أن لديه السلطة التشريعية التي تمنحه دون غيره حق سن القوانين والمصادقة عليها ثم له صلاحية مراقبة العمل الحكومي ومحاسبتها على أدائها كلما اراد ذلك هذا الى جانب الاشارة الى انه هو من يمنح الشرعية للحكومات واعضائها ودون موافقته لا تمر أي حكومة. وبالعودة الى تلك الصلاحيات والنظر في تركيبة المجلس الجديد نجد انه سيكون من الصعب على الكتل النيابية وخاصة الحاكمة منها توفير النصاب اللازم في كثير من صلاحيات المجلس باستثناء الصلاحيات التي لا تتجاوز الأغلبية المطلوبة فيها 109 أصوات والتي كثيرا ما عجزت الأحزاب الحاكمة خلال العهدة المنقضية عن تأمينها بالرغم من ان العلاقات في ما بينها كانت أكثر تماسكا مما لدينا اليوم. ومن هذا المنطلق اخترنا ان نطرح سؤالا حول مدى قدرة البرلمان على القيام بدوره مستقبلا وهل ان التوافق بين الكتل البرلمانية على الحد الادنى لانقاذ البلاد ممكن في ظل الحسابات التي فرضها صندوق الاقتراع؟ بين برنامج الإنقاذ والطوائف السياسية وهنا نذكر بما حصل سنة 2014 عندما عجز حزب حركة نداء تونس عن تشكيل حكومته دون حركة النهضة مما اضطره في ما بعد الى فتح باب التفاوض معها والحاقها بالائتلاف الحكومي. لكن اليوم الأمر أصعب بكثير على عدة مستويات. وفي المستوى الأول نجد ان حركة النهضة لا تملك عدد النواب الذي كان يملكه نداء تونس سنة 2014 بل اقل منه بقرابة 30 نائبا. ثم إن نتيجة 2014 كانت الأضداد فيها متقاربة بطبعها أي النهضة والنداء فالتقاؤهما انطلق مع الحوار الوطني لكن اليوم هناك أضداد لم تلتق ابدا مثل حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة او التيار الديمقراطي وحزب قلب تونس او حركة الشعب وائتلاف الكرامة او بين هذا الائتلاف والحزب الدستوري الحر. إذن إن الخارطة الجديدة رسمت من المتناقضات بشكل متوازن فما الحل؟ وهل سيتم تقديم المصلحة الوطنية من منطلق الدراية بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية أم سيتم التركيز أكثر على الصراع الايديولوجي والسياسي ليتحول البرلمان الى ما يشبه المانيا زمن التقسيم ويفصل بين شقيها الصراع القديم أم هل ستتمكن النهضة من كسر ذلك الجدار مثلما فعل الباجي سنة 2014؟ وأخيرا يجب ان يوضع في الحسبان دور المجتمع المدني والضغط الشعبي في الدفع نحو توافق جديد وفق برنامج انقاذ وطني يبتعد عن التجاذبات والحسابات الحزبية فمواجهة الأزمة تحتاج الى برنامج وليس الى شعارات شعبوية او "طائفية" حزبية. خالد عبيد (مؤرخ ومحلل سياسي).البرلمان سيكون عاجزا عن الفعل في تقييمه للخارطة البرلمانية الجديدة وإجابة عن سؤالنا حول الإمكانيات المتاحة للبرلمان الجديد للفعل ومواجهة مصاعب البلاد قال الدكتور خالد عبيد: البرلمان بتركيبته الحالية حتى وان كان بالبعض من نوابه طيبو النية والرغبة الصادقة في حلحلة المشاكل العويصة في تونس فان هذا البرلمان سيعجز حقيقة عن ذلك لعدة أسباب موضوعية اولا تركيبته المشتتة لن تسمح له بأي إصلاح جوهري في العمق. ثم التركيبة مشتتة ليس في العدد فقط وإنما في الرؤية والبرامج أيضا سواء السياسية او الإيديولوجية أضف الى ذلك الظرفية الحرجة التي تعيشها تونس حاليا على المستوى الاقتصادي والمالي والتي لا يمكن حلها من خلال حكومة مصيرها مرتهن "هذا ان تكونت" بيد مجموعات برلمانية متناثرة. وستسير على رمال متحركة او على حبل سيرك. وهي بذلك لا يمكن ان تكون إلا حكومة مرتعشة وهجينة وغير قادرة على اتخاذ قرارات جريئة وضرورية ومستعجلة. وبذلك ستعجز الحكومة والبرلمان عن حل هذه الوضعية الحرجة جدا والتي تنبئ بأن المشكل ليس في ما تمخض عنه المسار الانتقالي من برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية. بل المشكل مع التأكيد على ذلك مرة أخرى يتمثل في المشكل القديم المتجدد وهو النظام السياسي المعتمد جراء الدستور الذي تم اعتماده فما دام نظامنا السياسي على هذه الشاكلة وهذا الدستور على هذا النمط فإنّ عنق الزجاجة البقاء فيه اسهل بكثير من محاولة الخروج منه. عادل كعنيش (رئيس جمعية قدماء البرلمانيين التونسيّين): لا بد من التوافق والابتعاد عن المواجهة اعتبر الأستاذ عادل كعنيش رئيس ودادية قدماء البرلمانيين أنه ليس هناك من حل أمام الفائزين في الانتخابات إلا البحث عن توافق بين النهضة وقلب تونس والابتعاد عن منطق المواجهة وفي ما يلي قراءته للوضع: لما نطّلع على نتائج الانتخابات نلاحظ أن هناك تشتتا كبيرا في الأصوات. ويصعب جدا على الحزبين الكبيرين الفائزين في هذه الانتخابات تشكيل حكومة دون تشريك الحزب الآخر. وهو ما سيعسر تكوين حكومة في الآجال الدستورية ونظرا الى تشعب المواضيع الاقتصادية والاجتماعية فإنه ليس هنالك من حل من وجهة نظري الا البحث عن توافق بين هذين الحزبين والخروج بالبلاد من منطق المواجهة الذي سيجعل تسيير الشأن العام أمرا عسيرا. أتفهم مواقف مختلف الأحزاب التي خرجت الآن من حملات انتخابية اتسم خلالها الخطاب بنوع من الحدة. ولكن على أغلب الظن ستتغير المواقف بعد الانتخابات الرئاسية بما يساعد على إقامة توافق جديد. وهو الحل الناجع لمواجهة كل التحديات.