بالمعنى الكُلِّي (macro) أو الصورة الجمليّة الكبرى تُشعّ بلادنا بالكثير من الأضواء وتُراكم تدريجيا، وبشكل تصاعديّ، مشهدا فارقا يرصدهُ العالم كاستثناء حقيقيّ في الإقليم والمنطقة. راهن الكثيرون على فشل الثورة وتجربة الانتقال الديمقراطي، لكن مع كلّ محطّة يُؤكّد الشعب التونسي أنّه حسم نهائيا في خياره نحو الممارسة الديمقراطية دون سواها، وأصبح اليوم من المعيب، إن لم يكن من المُخزي، أن يُواصل البعض من التونسيّين القدح في التوجّهات الانتخابيّة والتقليل من حجم التحوّل الحضاري البارز الذي تعيشه البلاد. أصبح اليوم من الثابت وجود «حالة وعي» جارفة لدى فئات واسعة من المجتمع التونسي ترنو إلى المستقبل الافضل بعيدا عن متاهات الجدل الإيديولوجي العقيم ونوايا الوصاية على الإرادة الشعبيّة العامَّة، مستقبل تتكرّس فيه قيم حريّة الاختيار ومبادئ العيش المشترك في ظل دولة القانون والمؤسّسات الحامية للتعدّد والحق في الاختلاف. العيش في فضاء ديمقراطي لا يُمكنهُ إلاّ أن يعزّز عناصر الانتماء الوطني والتفاؤل بالمستقبل والقدرة على تحسين الأوضاع وتحقيق التنمية والازدهار، فالديمقراطيّة باعتبارها أرقى ما وصل إليه العقل البشري في تنظيم شؤون الدولة والمجتمع ترفُض الخمول والكسل وتُتيح دائما وباستمرار فرصا للشعب كي يُقيّم خياراته فيُعدّلها ويُصوّبها في اتجاه البحث عن الأفضل والأجدر والأكفأ بالحكم وإدارة شؤونه وشؤون دولته. تونس تخطّ منجزا سياسيا على قدر كبير من الأهميّة له أبعاد حضاريّة كبيرة في تكذيب كلّ القراءات المشكّكة في الثورة وقدرة الشعوب العربية المسلمة على دخول مصاف الدول الديمقراطيّة، يشهد العالم ولا يزال ما يُراكمه التونسيّون من مكاسب يوما بعد يوم على مستوى فضّ نهائي لأزمة أو معضلة السلطة التي كانت ولا تزال السبب الأبرز في اندلاع الحروب الدامية والصراعات الأهليّة والانقلابات العسكرية وغيرها من مظاهر اغتصاب السلطة بالرغم عن الإرادة الشعبيّة. الأجواء الانتخابية التي تعيشها بلادنا بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي تنتهي وقائعها اليوم الأحد بإجراء الدور الرئاسي الثاني، أجواء تسفّه أحلام المشككين في عظمة المنجز السياسي التونسي وتتّجه لتثبيت مقولة الاستثناء التونسي. صحيح أنّ النظرة الجزئية الصغرى تشير الى صعوبات واقعية مرتبطة بالشأن الاقتصادي وبالمعيش اليومي على وجه الخصوص، وأيضا بوجود نقائص على مستوى البناء والمؤسسات وجودة الأداء الانتخابي ولكن يبقى كلّ ذلك قابلا للإصلاح والتجاوز ومن ثمّ استكمال العنصر الثاني في الاستثناء التونسي وهو تحقيق الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية التي نادت بها الثورة.