عاش التونسيون في الداخل والخارج أمس وقائع الانتخابات التشريعيّة منجزين كسبا سياسيّا وحضارياً جديدا على درب التأسيس الديمقراطي وتنفيذ استحقاقات ثورة الحريّة والكرامة. يحق للتونسيين أن يفخروا بهذا المنجز الجديد والذي يتناسب مع تضحيات ونضالات أجيال متعاقبة دفاعا عن الحق في الممارسة السياسية السياديّة المستندة الى تحكيم الإرادة الشعبيّة دون غيرها وبعيدا عن كلّ صنوف التسلّط والهيمنة والاستبداد، لتشعّ تونس بذلك شمعة مضيئة في المنطقة كبلد عربي وإسلامي تنجح فيه خيارات الحرية والتداول السلمي على السلطة. تقطع تونس إذن خطوة أخرى عملاقة للالتحاق رسميا بنادي الدول الديمقراطيّة فقد انتهت معضلة الوصول إلى السلطة وباتت البلاد على طريق ترسيخ مبادئ المنافسة والتداول السلميين وتطارح البرامج والبدائل بعيدا عن مظاهر العنف والاحتراب الأهلي والانقسام المجتمعي. وفي انتظار الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية لانتخابات يوم أمس وبعيدا عمّا تمّت معاينته من بعض الممارسات والسلوكات الخاطئة يوم الاقتراع وقبلها خلال الحملة الانتخابية ويوم الصمت الانتخابي، فإنّ الحدث يعدّ انتصارا لتونس ولكلّ التونسيّين، حدث عبّر عن تقدّم مهم جدا في تكريس خيار المنافسة الانتخابية والسير قُدما في تكريس حكم الشعب عبر ممثليه المنتخبين. وما من شكّ فإنّ وقائع اليوم الانتخابي التشريعي ستكون محل نقاش وجدل واسعين بغاية التقييم الإيجابي والمضي مستقبلا في مزيد تجويد العملية الانتخابية وتخليصها من كلّ الشوائب والأدران وتحسين القوانين والتشريعات المتعلقة بالشأن الانتخابي وتعزيز مكانة الهيئة المستقلة للانتخابات وقدراتها وتطوير مختلف أشكال المراقبة والملاحظة وصولا الى محطات انتخابية قادمة لا محالة أكثر صلابة ومتانة. التونسيون عبّروا عن نضج سياسي واستعداد لا مشروط للقبول بالانخراط في مسار حضاري وتاريخي عماده السلوك المدني واحترام القانون وحماية الدولة والتمسّك بالوحدة الوطنية ورفض كلّ مشاريع التقسيم والتخريب وصد اجندات الردّة والوصاية على خيارات الشعب والهيمنة على توجهاته. سينتظر الجميع الآن إعلان هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية، بعد تخطي مرحلة الطعون، لتدخل البلاد مرحلة جديدة يأمل التونسيون جميعا أن تكون مرحلة رصّ الصفوف والإسراع في إطلاق مشاريع الإصلاح والبناء والتشييد. هي إذن انتخابات أخرى ناجحة وخطوة عملاقة على درب التأسيس الديمقراطي، وآن لأصوات الحقد والشيطنة والتقسيم وأدعياء الوصاية على الشعب أن يصمتوا جميعا أمام إرادة الشعب وأن يحترموا توجهاتهم واختياراتهم. والآمال الآن واسعة للكف عن التجاذبات الفارغة والجانبيّة وإضاعة المزيد من الوقت والانصراف سريعا للانكباب على مختلف القضايا والمشاغل الاقتصادية والاجتماعيّة وخدمة الناس في تحسين معيشهم اليوم. تونس بعد الثورة أفضل وأجمل وشعبها رائع. مبروك لتونس وشعبها.