وقائع الحملة الانتخابية الرئاسيّة الجارية هذه الأيّام تُثبت من جديد اتجاه الاستثناء التونسي نحو قطع خطوة ناجحة أخرى في طريق تثبيت أركان الديمقراطية بما فيها من مرتكزات أساسيّة منها أساسا تحكيم صناديق الاقتراع والتداول السلمي على السلطة. نعم، يحقّ للتونسيين اليوم أن يفخروا بما تحقّق من مكاسب لإنهاء معضلة السلطة التي تسبّبت في ضياع عقود من الزمن وخسارة وقت ثمين كان يُمكن استثماره في تثمين ما في البلاد من إمكانات وطاقات وفرص للتنمية والتطوّر وتحسين ظروف العيش، وتعزيز عناصر الوحدة الوطنيّة وقيم الحريّة والعيش المشترك. رغم ما يعتري المسار الانتخابي الحالي من هنات ونقائص فهو يبقى دونما شكّ أفضل من التناحر وتفكّك الدولة والاحتراب الأهلي. هي محطّة فرز جديدة في انتقال حضاري كبير، سياسيّا واجتماعياً واقتصاديا، صحيح، وهذا ثابت. إنّه انتقال صعب وعسير بما فيه من إكراهات وتحديات حقيقيّة. حيث ما يزال قطار التنمية معطّلا والمقدرة الشرائيّة للمواطن مضغوطا عليها كما لم تتحسّن ظروف العيش بالشكل المطلوب، ولكن الآفاق مفتوحة، على الأرجح، نحو الأفضل خلال السنوات القادمة. أسبوعا قبل يوم الاقتراع والتونسيون لا يعرفون بعد من سيكون رئيسهم للسنوات الخمس القادمة. التنافس بين المترشحين على أشدّه والتوقعات متضاربة، ورغم كلّ المظاهر السلبية، ومنها محاولة توجيه الناخبين أو الاتكاء على إمكانيات وموارد الدولة أو التأثير على القضاء يكاد المترشحون على نفس الحظوظ لتحقيق الفوز، وهذا جوهر الاستثناء الذي يتواصل اليوم وسيمتدّ إلى يوم 15 سبتمبر الجاري وما بعده. العالم اليوم ينظر إلى بلادنا على أنّها الاستثناء الديمقراطي العربي الوحيد، والأمر كذلك، وعلينا أن نعتزّ بذلك وأن نعمل على تخطّي الصعوبات المتبقيّة وتنقية مختلف المناخات الوطنيّة بنشر الأمل وطرد الإحباط واليأس وإحياء ثقافة الإنتاج والمثابرة والعمل ومكافحة مظاهر الرداءة والفساد وتمتين أركان الحياة السياسيّة الديمقراطيّة وتعزيز قوّة الدولة ومناعة مختلف أجهزتها والتوحّد خلفها لحماية بلادنا من كلّ المخاطر وتمكينها من جميع القدرات والإمكانيات للاستجابة لمختلف الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعيّة. موعد جديد مع التاريخ يخطّهُ التونسيّون،ويُثبّتون من خلاله وعيهم الجمعي المتحضّر ويكرّسون عبره خيار الإرادة الشعبيّة دون سواها من خيارات الاستبداد والقمع أو الانقلابات والهيمنة الفرديّة أو الحزبيّة. لا يُقاسُ تاريخ الشعوب بالسنوات. بل يُنظر إليه عبر السياقات الحضاريّة والتحولات السياسيّة والمجتمعيّة الكبرى وتقييم المنجزات الفعليّة التي تؤسّس لمجتمع المواطنة والدولة المدنيّة القويّة والعادلة، مجتمع الحقوق والحريات والدولة الديمقراطيّة.