« سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجر فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر واقصفي يا رعود ** لست أخشى الخطر سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجر.» هذه القصيدة للأديب ميخائيل نعيمة كنا نرددها بالفؤاد قبل اللسان في ساحة المدرسة في سنوات الطفولة واليوم تذكرتها بعدما قرأت ( ما لاتقدرعليه الريح ) للشاعرة فاطمة بن محمود وهي مجموعة شعرية صادرة عن دار ميارة للنشر والتوزيع سنة 2019 . فماذا عن هذه الأشعار؟ وما علاقتها بقصيدة ميخائيل نعيمة ؟ (ما لا تقدر عليه الريح ) قصائد قصيرة جدا تميزت بالإيجاز والتكثيف والاقتصاد اللُّغوي وفي ذات الوقت حافظت على عنصرَي الإدهاش والمفارقة . اضافة الى تميز بعض نصوصها بإيقاع خاصٍّ نلاحظ اختلافه من قصيدة إلى أخرى حسب ما أملته فِطرة الشاعرة وموهبتها وشاعريَّتُها. ما لا تقدر عليه الريح قد تقدر عليه فاطمة بن محمود هذه الشاعرة المتمتعة بحيوية البقاء والخلود والباحثة في نصوصها عن إيقاعية هادئة لا جعجعة فيها. تنساب دون تعقيد ينداح في تراكيبها ولا إغماض يشوه مدلولاتها. وقد اعتمدت في كل قصائدها على المفردة الزئبقية المكتنزة لمعناها والتي في اعتقادي منحت المتلقي فرصة الاستعارة والتشبيه في نهاية الجملة الشعرية. والملاحظ أن الشاعرة قسمت المجموعة الى أربعة أجزاء وقد أرادتها على النحو التالي : بيت بلا جدران وبيت بلا نوافذ وبيت بلا أهل وأخيرا نوافذ لا تفتح . وهي كلها عناوين تخص البيت بما يحتويه . والأكيد أن استعمال البيت كمكان حميمي وتوظيفه في قصائد قصيرة جدا ، ليس استعمالا عاديا، وإنّما هو استعمال رمزيّ لمعان ورسائل تريد الشاعرة تمريرها. ومن هنا نكتشف الفرق بين بيت ميخائيل نعيمة وبيت فاطمة بن محمود . الأول سقفه من حديد وركنه من حجر والثاني بلا جدران وبلا أبواب وبلا نوافذ . الأول يحتمي فيه الشاعر من الرياح والزوابع والأخطار والثاني وحدها الشاعرة وبحفنة من الكلمات تواجه الزوابع والرياح وبيتها الغريب في بنيانه يقدر على ما لا تقدر عليه الريح .و هو بيت مشحون بالأحاسيس والانفعالات والأفكار الرومانسية والمشاعر الذاتية . بيت لم يتخل عن شعريته فحسب بل اقترب أكثر الى السرد فكان بداخله مع الحدث صوت سردي خارجي أحيانا وداخلي أحيانا أخرى محدد بزمن تلقائي مما جعل القصر في جدرانه المبنية بالقصائد والكلمات تاما شكليا ومضمونيا . وفي خوضنا في ثنايا المجموعة نلاحظ استعراض الشاعرة لبعض المواقف المثيرة للعديد من التساؤلات من خلال ما تحمله الكلمات من دلالات انطلاقا من عنوان المجموعة الذي جاء في شكل جملة فعلية تطرح سؤالا يستوجب البحث عن هذا الذي لا تقدر عليه الريح . ومادامت الريح قوة فبديهي أنها لا تقدر على ماهو أقوى منها . والشاعرة شاعرة بقوة الريح ولكنها تتحداها بهذا الكم من الكلمات . بالرغم من معاينة بعض التردد والتخوفات خاصة في الإهداء الذي جاء فيه : الى كل أحد والى لا أحد ..فهي تبدو مترددة أو ربما خائفة من هذا الأحد الذي تعنيه . وقد يكون في الواقع أحد القراء أو جميعهم . وأظنها جمعتهم في سلة واحدة وهي تعلم أنهم مختلفون في فهم ما كتبته من نصوص قصيرة جدا . وأول ما استهلت به مجموعتها هو محاولة جمع هذا (الأحد ولا أحد) مع الفراشات والأشجار والأطفال والمدن في سجن فسيح تعتقد أنه الوطن يتبع