كثر الحديث خلال الأيّام الأخيرة عن اقتراب حصول الحدّ الأقصى من الإصابات وعن التّفكير في تنظيم مرحلة الخروج من الحجر الصّحيّ بصفة تدريجيّة. كلّ ذلك ونحن ما نزال نعيش المرحلة الأولى من الوباء في ظلّ رؤية غير واضحة بالمرّة، ذلك أنّ تواصل بقاء الأرقام في وضعيّة مريحة عمومًا قد يدوم فترة أخرى وهو ما يتمنّاه أهل الإختصاص لتفادي "تسونامي" من الضّحايا على أعتاب المستشفيات التي لا يمكنها استيعاب الكثير منهم. لكنّ إمكانيّة حصول عكس ذلك أضحى واردًا جدّا بعد حدوث الإنفلات في شوارعنا وحدوث تجمّعات رهيبة في رحلة البحث عن المائتي دينار... اليوم ونحن في مفترق الطّرق في مواجهة الفيروس الخبيث، لم يعد بإمكان الدّولة ارتكاب هفوات بدائية مثلما حصل مؤخّرًا، من خلال قرارات وتصرّفات غير مسؤولة تؤكّد تردّد أصحاب القرار وعدم تحمّلهم مسؤوليّاتهم بالشّكل المطلوب، مثلما كان الحال مع وزارة الشّؤون الإجتماعيّة التي فكّرت، وهو أمر محمود، في مساعدة ضعاف الحال، ولم تقرأ حسابًا للطّوفان البشريّ الذي أرسلت به في نفس اليوم أمام مكاتب البريد. على مستوى وزارة الصّحّة، ورغم المجهودات المبذولة، فإنّ "حمّى الإنتصار" تفشّت لدى كبار المسؤولين بنفس سرعة تفشّي الفيروس بعد أن اعتقدوا أنّهم قطعوا شوطًا كبيرًا في رفع التّحدّي وكسب المعركة. وهذه النّشوة التي حلّت بهم في غير وقتها قادتهم إلى الإنحلال وأخذ الأمور باستسهال في انتظار ساعة الانتصار وتكريس أشخاص دون آخرين أبطالا للمعركة. هذا ما حدث على رأس بعض الوزارات المعنيّة بمجابهة فيروس كورونا، إلى جانب العصيّ التي وضعها البرلمان أمام الحكومة لتظلّ زمام الأمور بيده. وفي ظلّ كلّ هذا المزيج من الجدّيّة والتّراخي، ومن تحمّل المسؤوليّة وحمّى الأنانيّة تحوّل الوضع من المسيطَر عليه إلى المنفلت، وهو ما يغيّر كلّ المعطيات على جميع المستويات. لذلك فإنّ مصير بلادنا في مواجهة الفيروس سيتحدّد من خلال أرقام الأيّام القليلة القادمة، ونفس هؤلاء المسؤولين مطالبون اليوم بتطوير وسائل التّدخّل ونكران الذّات واجتناب المغالاة والتّباهي وأيضًا التّهويل المبالغ فيه والذي لم يُجد نفعًا في المرحلة السّابقة. وفي انتظار ذلك، فإنّ الغموض الذي يصاحب موقف رئيسي الجمهوريّة والحكومة بخصوص التّفويض والإنطلاق في تطبيقه على أرض الواقع يطرح العديد من التّساؤلات التي تهدّد صحّة المواطن بنفس شراسة الفيروس.