ظاهرة دأبنا على مشاهدها منذ سنوات خلت ألا وهي ظاهرة اللهفة والتكالب على شراء وتكديس المواد الغذائية بتعلّة الخوف من فقدانها خلال رمضان وارتفاع أسعارها بشكل مشط. كما يمكن أن نفسرها بأنها تدخل في إطار التباهي والتقليد لا غير. فظاهرة اللهفة السابقة لحلول شهر الصيام آخذة في التفاقم والازدياد سنة وراء سنة، فكيف يفسّر التونسي هذه الظاهرة وما هو موقفه إزاءها؟ المغازات العامة والفضاءات التجارية الجديدة المنتشرة هنا وهناك مزدحمة بشكل لافت للانتباه فالغريب عن هذا البلد سيعتقد حتما أن المغازات ستغلق بعد أسبوع أو أن المواد الموجودة في الاسواق ستنتهي بعد عدة أيام عندما يشاهد الحشود من الناس تتهافت على هذا الفضاء التجاري أو ذاك. محمد (طالب موريتاني) عبر لنا عن دهشته من هذه اللهفة الكبرى التي يتصف بها التونسي عند حلول رمضان مؤكدا أنه اكتشف هذه الظاهرة التي تختلف عما يوجد في بلده منذ السنة الفارطة عند قدومه لاول مرة. ويتساءل في حيرة عن هذا السلوك الذي يتوخاه التونسي لاسيما وأن المواد الغذائية متوفرة بشكل جيد على مدار السنة ولم يلاحظ منذ وجوده في تونس أي نقص للمواد الغذائية. السيدة سليم هي أيضا تستغرب لهفة التونسي على تكديس المواد الغذائية وترى أن هذا السلوك تأصل في بعض التونسيين وأصبحت عادة معروفة وغير مرتبطة برمضان بل حتى في الايام العادية. فيكفي أن تسري بعض الاشاعات بالزيادة في أسعار بعض المواد أو اختفائها من الاسواق لسبب أو لآخر حتى يهبّ الجميع الى الفضاءات التجارية ليشرعوا في تكديس هذه المواد. * لهفة مرضية يفسر السيد محمد عبد الباري اللهفة التي يعيشها التونسي قبل وخلال شهر الصيام بأنها نوع من الأمراض النفسية وهو ضد شراء وتكديس المواد الغذائية لان في ذلك حسب رأيه إنهاك للميزانية العائلية التي من الافضل صرفها على أشياء أخرى أكثر أهمية من الاكل مذكّرا أن «العولة» تعتبر أفضل سبيلا لتفادي الوقوع في الديون والضائقات المالية. السيد لطفي بدوره ليس من أنصار شراء «قضية» رمضان ويرى في ذلك مرضا نفسيا أكثر منه حرصا على توفير ما يلزم من مؤونة لشهر الصيام ويستغرب لطفي إصرار بعض التونسيين على تخزين كل المواد الغذائية بما في ذلك الماء والبيض وحتى «المقرونة» مشيرا الى أن هذه اللهفة يمكن أن يقف وراءها البحث عن الوجاهة وحب التميز، فالعديد من التونسيين أصبح ارتيادهم للمراكز التجارية يشكل طريقة للتفاخر في ما بينهم وإبراز المكانة الاجتماعية التي يحظون بها. * غلاء الاسعار يرجع السيد سليم الحركية المكثفة والاقبال الكبير على شراء المواد الغذائية التي يستهلكها التونسي خلال شهر الصيام الى خوفهم من ارتفاع أسعار بعض المواد، وهذا لا شيء يبرره باعتبار كل المواد متوفرة. السيد العروسي العكرمي ضد هذه اللهفة التي أصبح يعيشها التونسي مذكرا أن شهر رمضان هو شهر عبادة لذلك فإن عدم الاصراف هو الامثل. * ضيق الوقت كثيرون هم من تجدهم، عائدين الى منازلهم بما لذّ وطاب من مأكولات جاهزة ومواد غذائية متنوعة احتفاء بالشهر الكريم وفي النهاية يرمون بجزء هام من هذه المواد في سلة المهملات بعد أن يكوّنوا قد تورطوا في الديون وأنهكوا الميزانية العائلية بتعلة ضيق الوقت خلال رمضان الذي يتبدّل خلاله نظام توقيت العمل. السيدة سلاف اعترضتها محمّلة «بقضية» رمضان صحبة ابنتها وعندما سألناها لماذا كلّفت نفسها عناء حمل مثل هذه الحمولة أجابتنا أنها لا يمكن أن تجد الوقت الكافي للتسوّق خلال شهر رمضان فالوقت سيحاصرها ولن تجد بالتالي الفرصة لانتقاء بعض المواد الغذائية من بعضها الآخر. أما السيدة فاطمة فتقول: بحكم عملي بمؤسسة خاصة وإقامتي بمنطقة بعيدة عن العاصمة حيث أستقلّ يوميا الميترو والحافلة فإنني بالتأكيد لن أجد الوقت الكافي لشراء ما يلزمني لذلك أخيّر شراء لوازم شهر الصيام وأضعه في البيت حتى لا أقع فريسة للضغط النفسي وعرضة لبعض المشاكل النفسية.