هيبة الدولة أمر لا يُلمس ولا يُرى ولا يَتكرّس بقرار فوقي. بل هو نتاج تراكمات في مجال عُلوية القانون والمؤسسات. وهو مفهوم يكرّسه أداء الدولة القوية والدولة العادلة والدولة التي تحترم مواطنيها. كما يكرّسه أداء المواطن المتشبّع بقيم المواطنة، المدرك لحدود حريته والعارف بحدود حقوقه وبحدود حقوق المجموعة. وهذا الخيط الرفيع الناظم لعلاقة الدولة بمواطنيها تضبطه علوية القانون وعلوية المؤسسات التي ستكون الحكم والفيصل بين كل الأطراف والتي ينضبط لسلطانها الجميع. وما شهدته بلادنا على مدى العقد الأخير وضع هيبة الدولة في الكثير من الأحيان على المحكّ. حيث شهدنا في محطات عديدة وفي أحداث كثيرة غياب الدولة وتغوّل المواطن الذي لم يتردد، بل وتلذذ في أحيان كثيرة بتمريغ هيبة الدولة في التراب وبالدوس على علوية القانون والمؤسسات... وذلك في سياق ما يعتبره دفاعا مشروعا عن حقوقه وتعبيرا طبيعيا عن مطالبه وإسماعا لصوته ولشكواه من ضياع حقوق أو من تردّي مقدرة شرائية أو من ضيق حال... وشيئا فشيئا تكرّست نظرة خاطئة لمفهوم الحريات والحقوق ولمفهوم هيبة الدولة وما يقتضيه من إعلاء لشأن القانون والمؤسسات ووفق هذه النظرة الخاطئة وقفنا على «نماذج» فريدة وغريبة من تغوّل المواطن ومن استهتاره بالدولة وبمؤسساتها، إذ باسم الدفاع عن حق في الشغل أو في التنمية وهي حقوق مشروعة ولا يختلف حولها عاقلان رأينا كيف تغلق مواطن العمل وكيف توقف عجلة الإنتاج وكيف يبنى حائط على سكة مرور قطار الفسفاط وكيف يوقف ضخ البترول. وكل هذا يلحق أذى ما بعده أذى بالمجموعة الوطنية وبحقها في التمتع بثرواتها وبمردود جهد أبنائها العاملين بالفكر وبالساعد... كما يلحق أذى ما بعده أذى بالحقوق المشروعة لطالبي الشغل والتنمية أنفسهم لجهة إهدار ثروات كان يمكن توظيفها للتنمية. وفي هذا الباب، شكل اتفاق الكامور محطة وطنية هامة وجب التوقف عندها لاستخلاص ما تطفح به من دروس وعبر تصلح لتكون علامات يستفاد منها في تأطير وتنظيم العلاقة بين الدولة ومواطنيها. لعل أول هذه الدروس يتمثل في ضرورة التزام الحكومة بتعهداتها وبالاتفاقات التي تعقدها من باب تجسيد احترامها لمواطنيها واحترامها لصفتها ولجملة القيم والثوابت التي يجسدها. الحكومة يجب أن تكون مثالا في الالتزام وفي الإيفاء بتعهداتها. والحكومة وهي المؤتمنة على هيبة الدولة وجب أن تعرف كيف تنتصر لعلوية القانون والمؤسسات. بمعنى أن تكون حريصة على حقوق المجموعة الوطنية حرصها على حقوق مواطني هذه الجهة أو تلك. والحكومة مطالبة بتحويل العدالة الاجتماعية والعدالة في التنمية الجهوية إلى بوصلة تقودها في أدائها وفي مجمل مخططاتها بعيدا عن كل النعرات الجهوية أو القطاعية أو المهنية.. وبعيدا عن عقلية الاستئثار بالثروة وبعيدا عن منطق الغنيمة وعن روح الابتزاز التي يمكن أن تحرك هذه الجهة أو تلك والتي ستتحول مع الزمن ومع تصاعد سقف المطالب إلى نيران فتنة وإلى معاول هدم للوحدة الوطنية وتفكيك للدولة ولمؤسساتها. الدولة القوية هي الدولة العادلة والدولة العادلة هي التي تنتصر لحقوق مواطنيها كما تنتصر لهيبتها ولعلوية القانون والمؤسسات الكفيلة بتأمين استقرار المجتمع وديمومة الدولة. عبد الحميد الرياحي