في ظل تتالي الأحداث والتقلبات ذات العلاقة بالشأن السياسي وتفرعاته، وبالنظر إلى ما أصبح يسود المناخ العام في تونس من تطورات مثيرة وصراعات مختلفة، أصبحت تسود لدى الرأي العام مخاوف وشكوك من إمكانية تلاشي الاهتمام بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. فالوضع الاجتماعي يشهد من يوم إلى آخر تراجعا كبيرا نتيجة تواصل الضعف الاقتصادي في البلاد وما خلفه من ركود في سوق الشغل ومن تراجع المقدرة الشرائية ونتيجة تواصل تقلبات الوضع المالي للدولة وما قد يتسبب فيه من مسّ بالوضع المعيشي للمواطن .. كل دول العالم تقريبا رفعت في الأشهر الأخيرة من درجة "الاستنفار الاقتصادي" خاصة بعد نهاية جائحة كورونا وبعد ما أثارته الحرب الروسية الأوكرانية من تطورات اقتصادية ومالية ومن تقلبات في الأسواق العالمية ومن مخاوف لدى الشعوب من نقص الغذاء وغلاء الأسعار وتفاقم البطالة والفقر.. ولا حديث اليوم في أغلب الدول إلا عن النهوض الاقتصادي وعن استنباط أكثر ما يمكن من حلول وأفكار جديدة للانقاذ الاقتصادي ولتحسين معيشة المواطن وحماية غذائه وحقوقه في العيش الكريم والآمن. أما في تونس، فإن الاهتمام الرسمي وغير الرسمي يكاد يقتصر فقط على الشأن السياسي وعلى التقلبات ذات العلاقة في حين ظل التداول في الشأن الاقتصادي وفي الحلول الممكنة ضمن آخر الاهتمامات. وهو ما يفسر الصعوبات الكبيرة التي تمر بها المالية العمومية وكذلك تواصل ضعف بعض المؤشرات الاقتصادية خاصة في مجال جلب الاستثمار الخارجي وعجز الميزان التجاري نتيجة ضعف المبادلات التجارية وكذلك تواصل تراجع سعر صرف الدينار وارتفاع نفقات الدعم التي تتحملها الدولة وهشاشة مخزون العملة الصعبة. كان من المفروض أن تتجه جهود الجميع في مثل هذه الفترة نحو مزيد تلميع صورة تونس في الخارج والترويج لها بشكل كبير كوجهة آمنة، مستقرة ومُربحة للاستثمار الأجنبي ولاستقطاب السياح.. وكان من المفروض أن يعمل كل من موقعه على تطوير المناخ الاقتصادي والاستثماري في البلاد خاصة في مثل هذه الفترة التي فُتحت فيها أبواب التواصل والشراكات بين كل دول العالم دون حواجز الاصطفاف أو الانتماء الإقليمي والدولي. غير أن كل ذلك لم يحصل، مقابل تواصل التقلبات السياسية التي أثرت سلبا على النشاط الاقتصادي.وكان بالإمكان أن يكون الاهتمام بشكل متواز بين المجالين السياسي والاقتصادي، فالتطور الاقتصادي والتنموي في حاجة إلى تطور واستقرار سياسي، وكلاهما يعتبر مكملا للآخر. وكان من المفروض أن تولي الدولة أكثر اهتماما بالشأن المعيشي للمجتمع من خلال حماية المقدرة الشرائية وتحسين الخدمات والمرافق العمومية وتوفير موارد رزق ومواطن شغل للعاطلين والفقراء. فبالاستقرار الاجتماعي يمكن تطوير المردودية والإنتاجية في العمل وبالتالي تحقيق النهوض الاقتصادي الشامل.لم يعد المجال يسمح اليوم في تونس بمزيد إضاعة الوقت في التركيز على الشأن السياسي وتفرعاته المتعددة دون إيلاء اهتمام بالمجال الاقتصادي. فالبلاد على أبواب موسم سياحي يبدو واعدا ويجب تثمين كل القدرات المتاحة في هذا المجال لإنجاحه. والموسم الفلاحي يبدو بدوره واعدا بالنظر إلى التوقعات بصابة حبوب متميزة.وأبواب استقطاب الاستثمارات الأجنبية تبدو أيضا مفتوحة أكثر من أي وقت مضى في ظل ما خلفته التقلبات العالمية الأخيرة من رغبة كبار المستثمرين الأجانب في التوجه نحو وجهات جديدة أبرزها تونس، فضلا عن رغبة "دول جديدة" في تطوير علاقات الشراكة مع تونس في مجال المبادلات التجارية والتعاون الفني لاستقطاب الشباب العاطلين عن العمل من تونس.. وهو ما على تونس إحكام استغلاله في أسرع وقت ممكن قبل أن تضيع الفرصة.. فاضل الطياشي