انطلقت أمس وتتواصل اليوم القمة العربية في الجزائر. قمة أرادتها الجزائر تحت عنوان «لمّ الشمل». عنوان لم يكن اعتباطيا ولا من قبيل الصدفة.. حيث يتزامن افتتاح القمة العربية الحادية والثلاثين مع ذكرى خالدة.. ذكرى عزيزة على الشعب الجزائري الشقيق وعلى كل العرب وعلى كل أحرار العالم.. ذكرى اندلاع شرارة الثورة الجزائرية التي «لمت الشمل» ووحّدت الصفوف وأطلقت ثورة المليون ونصف المليون شهيد التي أفضت إلى كنس الاحتلال الفرنسي الذي ألقى بكلاكله على الجزائر أرضا وشعبا وخطط بتدبير استعماري مقيت إلى اقتلاعها من محيطها العربي الاسلامي وتحويلها إلى «الجزائر الفرنسية L'Algérie Française».. استلهاما من هذا الحدث العظيم الذي أقام الدليل والبرهان على قوة وحدة الصف وقدرة لمّ الشمل على صنع المعجزات ولو كانت في حجم اقتلاع احتلال مقيت جَثَمَ على صدور الأشقاء الجزائريين طيلة 130 عاما.. استلهاما من هذا الحدث ارادتها الجزائر قمة لمّ الشمل العربي وقمة توحيد الصف العربي.. لِعِلْمِ الجزائر وعِلْمِ كل أحرار الوطن العربي الكبير ان توحيد الصفوف والجهود هو الوصفة السحرية القادرة على صنع المعجزات.. والقادرة على تحرير الانسان العربي واطلاق طاقاته الخلاقة المبدعة كشرط أساسي لتحرير إرادة الانسان العربي.. توطئة لتحرير الأرض العربية في فلسطين الحبيبة وكنس الاحتلال الصهيوني واحقاق الحقوق الفلسطينية وفي طليعتها الحق في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. وكذلك توطئة لتحرير الثروات العربية وصياغة مشروع عربي متكامل يبني نهضة عربية شاملة تبقى حلم كل العرب من المحيط إلى الخليج وتبقى وحدها القادرة على صيانة الحقوق العربية وتأمين أرضنا العربية وشعوبنا من تهديدات ومخاطر تطل برؤوسها من كل حدب وصوب وتشكّل تهديدا فعليا وحقيقيا لحاضر ومستقبل العرب.. ويكفي التأمل في عمليات النهب والسّرقة التي تتعرض لها ثرواتنا. ويكفي التأمل في الثغور العربية وما تلاقيه من تهديدات تتهاطل على الأمة من تخومها سواء كانت في تركيا أو إيران أو أثيوبيا علاوة على التهديد الصهيوني.. يكفي النظر إلى كل هذا لنتأكد بأننا أمة تقع في عين العاصفة.. وبأننا أمة مهددة فعليا بالانهيار والاندثار وبأن نصبح على قول شاعرنا العربي العراقي الكبير مظفر النواب «يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى».. وبأن لا منْجَى لنا إلا بتوحيد صفوفنا ولمّ شملنا وتعبئة كامل مواردنا خدمة لمشروع عربي شامل ومتكامل يؤمّن الحرية والمناعة للجميع ويحصّن كل الوطن العربي من نوازع الهيمنة ومن كل مخططات ومؤامرات الاعداء وهي كثيرة ومتنوعة وبات أصحابها يلعبون بوجوه مكشوفة ويتحركون لمصادرة ثروات الأمة العربية ومستقبل أبنائها دون حاجة إلى مواراة مخططاتهم ووجوههم القبيحة.. لأجل كل هذا يبقى طرح القيادة الجزائرية انجاز «لمّ الشمل العربي» عنوانا لقمة الجزائر طرحا دقيقا وصحيحا ويرتقي إلى مستوى التحديات الكثيرة والخطيرة التي تحدق بوطننا الكبير وتتربّص به.. واعتقادنا جازم بأن الارادة الجزائرية التي بلورت هذا الشعار تعي جيدا أنه لن يتجسد في كل أبعاده إلا إذا عملنا على احداث مصالحات شاملة داخل أوطاننا. مصالحات تفضي إلى تنقية الأجواء داخل كل دولة عربية كشرط لتوحيد الصفوف وتعبئة الجبهات الداخلية توطئة لصهرها في جبهة عربية واحدة تلم شمل هذه الأمة الممزّقة وتوحّد صفوفها وجهودها وارادات أبنائها الخيّرة لصياغة مستقبل عربي مشرق لهذا الوطن الكبير.. مستقبل يحلم به كل عربي شريف ومعتزّ بانتمائه العربي وحريص على الحقوق العربية في عالم لم يعد يعترف بالكيانات الصغيرة.. وباتت التجمعات الكبرى وحدها عملة التداول ووسيلة البقاء فيه.. الرجاء كل الرجاء أن يستلهم القادة العرب من أرض التضحية والفداء نبل شعار لمّ الشمل وأن يلتقطوا جوهر رسالة الجزائر الرامية إلى استنهاض الهمم وصولا لتحقيق الشعار الكبير والخالد للزعيم جمال عبد الناصر: «ارفع رأسك يا أخي.. فقد مضى عهد الاستعباد». عبد الحميد الرياحي