تدفع البلاد اليوم ثمن إضاعة وقت طويل طيلة الأعوام الماضية حال دون تحقيق التقدم الاقتصادي والتنموي المطلوب. فالأطراف الفاعلة منذ 2011 اطنبت في الانشغال بالشأن السياسي وبالمعارك الحزبية والإيديولوجية على حساب الإصلاحات الاقتصادية والمالية والتنمية. وهو ما يُفسّر اليوم الصعوبات الكبرى التي أصبحت تواجهها الدولة في نيل ثقة المانحين الدوليين ومؤسسات الترقيم السيادي نتيجة تأخر الإصلاحات وتعطل محركات النمو وإنتاج الثروة وتراجع كل المؤشرات الاقتصادية والمالية. وهو ما ذكره صراحة وأكثر من مرة صندوق النقد الدولي وأكدته مؤخرا وكالة التصنيف الائتماني "موديز" وتُلمّح إليه من حين لآخر بعض الدول الصديقة . يتحمل الجميع مسؤولية ما حصل خلال السنوات المنقضية وإلى حدّ الآن من اهدار للوقت وإضاعة فرص الإصلاح والإنقاذ التي كانت متاحة وفي المتناول. فالسلطات التي تداولت على الحكم منذ 2011 تعاطت بشكل غير جدي وغير مسؤول مع الشأن التنموي والاقتصادي وفسحت المجال واسعا أمام كل أسباب تعطيل الإنتاج والفساد والتراخي داخل أجهزة الدولة وفشلت في إرساء منوال تنموي وغابت عنها الإرادة والجرأة والشجاعة للاصلاح .. والمواطن فقد مع تقدم السنوات ثقافة العمل وأصبح يُعوّل على ثقافة الربح السريع والإثراء غير المشروع. وبعض الأطراف الفاعلة في المشهد العام شجّعت على سلوك تعطيل الإنتاج والإضرابات وغلق الطرقات. وفي الأثناء، لم تُهدر دول أخرى - بما في ذلك بعض دول المنطقة او الدول الافريقية - الوقت واشتغلت بوتيرة سريعة لتحقيق الإنجازات ومراكمة النجاحات وحققت تقدما ملحوظا على بلادنا في أغلب المجالات تقريبا بعد أن كانت قبل 2011 متساوية مع تونس أو دونها في مختلف المؤشرات الاقتصادية والتنموية. فقد تحلت القيادات السياسية في تلك الدول بإرادة قوية للإصلاح والتقدم ولتجذير ثقافة العمل بين شعوبها، واتبعت سياسات صارمة تجاه الفساد وإهدار المال العام وتعطيل الإنتاج. وهو ما مكّنها اليوم من تحقيق تقدم ملحوظ في عدة مجالات، على غرار قطاع الطاقات المتجددة وقطاع الفسفاط ومشاريع تحلية مياه البحر ومشاريع السكك الحديدية والطرقات السيارة والجسور والمحوّلات والرقمنة والنظافة والبيئة والسياحة والفلاحة والنقل.. يدفع التونسيون اليوم فاتورة باهظة نتيجة ما ارتكبه حُكّام السنوات الماضية من تباطؤ ومماطلة وفشل حال دون الإصلاح والتقدم. وهو ما يعكسه الوضع المعيشي الحالي الذي أصبح دون المعدلات العالمية خاصة من حيث ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار وفقدان بعض المواد الأساسية وتردي حالة الخدمات العمومية. كما يعكسه أيضا غياب كل أسباب الرفاه الاجتماعي وجودة الحياة والاطمئنان على المستقبل. فخلال الأعوام الماضية لم تشهد البلاد تشييد مشاريع تنموية كبرى او إنجازات اقتصادية تُذكر عدا إغراق الدولة في التداين المفرط واستنزاف المال العام في النفقات غير المُجدية والتفريط في بعض المكتسبات الاقتصادية والتنموية التي حققتها دولة الاستقلال. لم يبق اليوم أمام الدولة اليوم لتلافي ما حصل في الأعوام الماضية من إهدار للوقت وإضاعة للفرص واستعادة ثقة الشركاء والممولين الدوليين غير التعجيل بوضع خطة انقاذ وإصلاح قوية وصلبة وسهلة التنفيذ تستند إلى قوة القانون وإلى تحلي الفاعلين بالمسؤولية والرغبة في الإنقاذ. وهو ما يتطلب إرادة وجرأة وشجاعة من السلطة القائمة للقطع مع كل المظاهر التي تسببت على امتداد حوالي 12 عاما في إضاعة وقت كبير وفي تدمير أواصر الاقتصاد الوطني وحالت دون تحقيق تقدم يُذكر في مختلف المجالات. فاضل الطياشي