لا يُفوّت كبار قادة العالم ومسؤولو المنظمات الأممية فرصة ظهور اعلامي او رسمي دون اجترار شعار " رفض قتل المدنيين في غزة". وفي المقابل لا يُفوت الكيان المحتل يوما واحدا دون مواصلة اعتداءاته الوحشية والاجرامية على هؤلاء المدنيين. وبمرور الوقت أصبحت إسرائيل تعلم جيدا ان ما تُردده القوى الداعمة لها والمنظمات الأممية حول "رفض الاعتداء على المدنيين" ليس إلا شعارا أجوف لا ترافقه أية تحركات على أرض الواقع لكبح جماح آلتها العسكرية. لذلك تتمادى في ارتكاب مجازرها تجاه المدنيين في غزة دون هوادة ودون خوف حقيقي من ردة فعل العالم، وهي على يقين أن لا أحد سيقف في وجهها، بما في ذلك الهياكل الأممية.. اليوم وبعد أن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة ما لا يقل عن 20 ألفا، دون اعتبار المفقودين، وعدد الجرحى حوالي 50 ألفا ، أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، وبعد أن اتضح للعالم بأسره أن نسبة استهداف المنازل والملاجئ والمخيمات والمستشفيات والمؤسسات التربوية، حيث يقيم المدنيون العُزّل، أرفع بكثير من نسبة استهداف مواقع جنود المقاومة، لم يعد لشعار "رفض قتل المدنيين " الذي يُردّده داعمو الاحتلال الغاصب أي معنى. فمن يوم لآخر يتّضح انه مجرد شعار ينطقون به تحت ضغط شعوبهم او لتبرئة ذممهم و"تلميع" تاريخهم وللتخلّص أمام القضاء الدولي من تهمة المشاركة الموصوفة في هذه الجرائم الوحشية التي لم ير التاريخ لها مثيلا. وبشهادة خبراء ومختصون في الحروب والنزاعات، فإن الحرب الاخيرة على غزة هي الأكثر دموية والأكثر استهدافا للمدنيين في وقت وجيز ( 75 يوما) ضمن قائمة الحروب التي دارت على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، بدءا بالحرب على العراق مرورا بالحرب في أفغانستان وصولا إلى الحرب في أوكرانيا.. فرغم أن هذه الحروب تسببت في قتل مدنيين إلا أن ذلك كان على امتداد سنوات أو أشهر ولم يكن بالوتيرة نفسها المسجلة اليوم في غزة في هذا الحيز الزمني القصير. وهو ما يؤكد مرة أخرى ان إسرائيل بصدد شن حرب إبادة شاملة على غزة بل أن كثيرين يصفونها بحرب سريعة تحت عنوان "الأرض المحروقة"، لا تستثني أحدا ولا تكترث بشعار "لا لقتل المدنيين". وقد كان بإمكان القوى المتخفية وراء هذا الشعار وغيره من الشعارات الفضفاضة الأخرى التي تَدَّعي من خلالها "رعْي السلام في العالم" و"المُحافظة على السلم والأمن الدوليين" أن تتحرك بشكل فعلي لتكريسه على أرض الواقع عبر توجيه دعوة صريحة وواضحة وصارمة للكيان المحتل لوقف جرائمه الوحشية ضد المدنيين، لكنها لم تفعل. وكان بإمكان الهياكل الأممية وفي مقدمتها مجلس الامن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية أن تكون "أمينة" في تكريس ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات الدولية المُحدثة لها، وأن تتّخذ القرارات الضرورية والعقوبات اللازمة ضد إسرائيل لإيقاف استهدافها للمدنيين إلا أنها لم تتحرّك. والثابت أنه، رغم تمادي هذه القوى الداعمة لإسرائيل في التخفي وراء ذلك الشعار وإيهام العالم ب"رفضها قتل المدنيين"، إلا أن التاريخ سيُسجّل بلا شك تورطها في مشاركة الكيان المحتل في جريمة الاعتداء على المدنيين وتشجيعه على ذلك. وهي الجريمة التي من المفروض ان لا يتسامح معها القانون الدولي الإنساني وأن لا تترد الهياكل الأممية في ردعها وفي معاقبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية. لكن ذلك يتطلب منظمات أممية وهيئات قضائية دولية قوية ومستقلة ونزيهة غير راضخة للقوى الكبرى ولا تأتمر بأوامرها، وتطبق القانون الدولي على قدم المساواة بين الجميع. فاضل الطياشي