في تونس، يتحمّل المواطن أعباء ضريبية كثيرة وثقيلة، لكنه لا يلقى في المقابل خدمات عمومية ذات جودة تعادل ما يدفعه من ضرائب وفق ما تقتضيه الأعراف والتقاليد التاريخية لواجب الضريبة في اغلب دول العالم. فواجب الضريبة من المفروض أن يقابله الحق في خدمات عمومية متكاملة وذات جودة، وهو واجب خُلق أساسا – على مر التاريخ - ليكون "ذراعا مالية" للدولة يساعدها على تغطية حق المواطن في نفقات المرفق العام والخدمات العمومية. إلا أنه يكاد يتحول اليوم في تونس فقط الى مجرد مصدر من مصادر تمويل الميزانية دون ان تقابله خدمات عمومية في المستوى المنتظر. وتُعدّ تونس من بين الدول التي يشهد فيها الضغط الضريبي ارتفاعا ملحوظا (25 %) حيث تعول الدولة بنسبة كبيرة على المداخيل الجبائية لتوفير تمويلات للدولة، وتمثل الجباية حوالي 90 % من مداخيل الميزانية. في تونس كما في سائر دول العالم، يدفع المواطن للدولة ضريبة على المداخيل للأشخاص الطبيعيين، لا سيما بالنسبة الى الأجراء، والضريبة على الشركات والأشخاص المعنويين.. ويدفع أيضا للدولة بشكل يومي معلوم الأداء على القيمة المضافة TVA والمعلوم على الاستهلاك او المعاليم الديوانية لكل السلع والخدمات. ويدفع أيضا الضريبة على أغلب العمليات الإدارية واستخراج الوثائق وإبرام العقود، ويدفع معلوم جولان السيارة ومعاليم التسجيل والطابع الجبائي والمعاليم الراجعة للجماعات المحلية وضرائب على العقارات.. ويدفع أيضا ضرائب قارة في فواتير الماء والكهرباء والهاتف والانترنات ومعلوم المرور على الطريق السيارة ويتحمل المسافرون الى الخارج معلوم طابع السفر ويدفع العائدون من السفر المعاليم الديوانية.. وهي جميعها ضرائب "إذعان" أي أن المواطن يكون مجبرا على دفعها وليس مُخيّرا.. ورغم أن الضريبة والجباية واجب تاريخي وكوني محمول على كل المواطنين دون استثناء في كل الدول يقابلها حق المواطن في خدمات عمومية ذات جودة، إلا أن ذلك يكاد لا يحصل في تونس. حيث تراجعت خدمات التعليم العمومي والصحة العمومية والنقل العمومي والبنية التحتية وغيرها وأصبح المواطن يتكبد معاناة انقطاع الماء والكهرباء بعد أن يدفع معاليم قارة في فواتير الخلاص من المفروض أن تُوجّه لصيانة الشبكات. كما أصبح أصحاب السيارات يعانون من البنية التحتية الرديئة للطرقات ومن حصول أضرار كبيرة للسيارة او من حوادث مرور أليمة رغم أنهم يدفعون سنويا لخزينة الدولة معلوم الجولان ومعلوم العبور على الطرقات السيارة وغيرها.. والمواطن أصبح يذوق الأمريّن لقضاء مصالحه في الإدارات العمومية نتيجة التعطيلات والاكتظاظ رغم أنه يدفع اموالا مقابل الخدمات الإدارية.. كما يتحمل يوميا أداء مرتفعا على القيمة المضافة ( 19 %) في كل المشتريات والخدمات دون أن ينعكس ذلك على جودة الخدمات العمومية. وقد أثبتت التجربة في عديد الدول، انه كلما كانت الدولة أكثر احتراما لمواطنيها في مجال خدمات المرفق العام، إلا وتضاعف الشعور بالمواطنة لدى المواطن وترسخت لديه ثقافة الحفاظ على الملك العام وخدمة المصلحة العمومية وتراجعت نسبة التهرب الضريبي. وكلما تعاطت الدولة مع جودة الخدمات العمومية بمنطق اللامبالاة والتجاهل وعدم احترام المواطن فإن ذلك لن يُخلف داخل المجتمع إلاّ شعورا دائما بالاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي وقد يُقابله المواطن، بدوره، بلامبالاة كلما تعلق الأمر بالصالح العام وبأداء مختلف الواجبات.. وأكثر من ذلك فإنه لا يعرف ان كانت المداخيل الجبائية تُخصص للأهداف والغايات المنشودة ( الصالح العام والمرفق العام) ام لغايات أخرى وذلك في غياب الشفافية والوضوح حول مآلاتها الحقيقية. آن الأوان اليوم لأن تراجع الدولة اليوم سياستها في ما يتعلق بتحسين خدمات المرفق العام مقابل ما تحصل عليه من ضرائب وجباية مرتفعة. وآن الأوان لأن تتحلى مختلف هياكل ومؤسسات الدولة بأكثر ما يمكن من مسؤولية ونزاهة في تعاطيها مع خدمات المرفق العمومي وأن تعمل على ردّ ما تحصل عليه الدولة بعنوان الجباية والضريبة إلى المواطن، من خلال تقديم خدمات عمومية في المستوى وتحترم حق المواطن في حياة كريمة وفي السعادة وفي جودة الحياة، كما هو الحال في عديد الدول. فاضل الطياشي