كلما اشتدت أزمة الاحتلال الأمريكي في العراق وبدت عليه مظاهر الارهاق والارتباك سارع حكام العراق الجدد إلى تغيير منطق الأشياء وإلى تصوير الوقائع على غير حقيقتها. وجاءت آخر التصريحات التي تصب في هذا الاتجاه على لسان وزير الداخلية في الحكومة العراقية المعيّنة فلاح النقيب الذي قال ان عمليات المقاومة انخفضت بنسبة النصف منذ العملية العسكرية الواسعة على مدينة الفلوجة وإن أهالي الفلوجة كانوا أسرى لدى ما أسماها بالعصابات الارهابية. والغريب في هذا الكلام أنه ينطوي على جملة من المغالطات أهمها أنه تجاهل صفة التصاعد المستمر لعمليات المقاومة منذ بدء الغزو الأمريكي بشهادة ضباط كبار في جيش الاحتلال قريبين مما يجري من معارك على الميدان وبشهادة خبراء عسكريين ومراقبين للشأن العراقي بل بشهادة السلطة العليا في المؤسسة العسكرية الأمريكية ممثلة في وزارة الدفاع التي كثيرا ما تسرب تقارير عن معدل عمليات المقاومة من شهر إلى آخر وقد تبين غير مرّة أن هذا المعدل لم يعرف الانحدار بل اتسم بالتصاعد أو الانتظام في أدنى الحالات. وأما المغالطة الثانية فتكمن في الزعم أن المقاومين رهنوا أهالي الفلوجة ولم يتركوا أمام سلطات الاحتلال غير اللجوء إلى الحلّ العسكري وفي ذلك انحراف عن المنطق وابتعاد عن الصواب وإغفال للحقيقة. فقد كان من الأنسب أن يقرّ «الوزير» العراقي بأن الاحتلال هو الذي تسبب في تهجير اهالي الفلوجة واخلاء المدينة قبل اقتحامها شبه مقفرة حتى يسهل عليه تمرير كذبة «الانتصار» في معركة بدأها بهزيمة معنويّة لاضخم قوّة عسكرية امام مجموعة من المقاومين لا هم لها سوى تحرير وطنها والدفاع عن كرامته وبهزيمة اخلاقية عبر تشريد العائلات وقتل النساء والاطفال ومنع منظمات الاغاثة من أداء واجبها. وأما المغالطة الثالثة في تصريحات النقيب فتتمثل في وصف رجال المقاومة بالعصابات الارهابية وفي ذلك تجاوز وظلم لاشراف العراق المدافعين حقا عن وحدته وسلامته. ولا شك أن هذا «المنطق المقلوب» الذي لجأ إليه فلاح النقيب كما لجأ اليه غيره من المسؤولين في الحكومة المؤقتة يعكس حجم العزلة التي صارت تحاصر أعضاء هذه الحكومة وقد صارت ايامها معدودة ويؤكد ان المنطق السليم هو الذي يؤسس حقا لعراق آمن وقوي أما ما خالف الحق واتّبع السبل فهو سائر لا محالة نحو مزيد من الضلال، وثمّة يكمن الفرق بين الثابت والمتغيّر.