تعتزم الحكومة الأمريكية، في سياق استراتيجيتها لإعادة صياغة المنطقة العربية سياسيا وثقافيا إنشاء وتمويل وسائل إعلام وثقافة تشمل صحفا ومحطات إذاعية وقنوات تلفزية ومدارس في الدول العربية والإسلامية بما يضمن تغلغل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في صفوف الشباب في هذه الدول. فقد كشف تقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية يوم الثالث والعشرين من شهر ديسمبر الجاري أن «قانون إصلاح الاستخبارات (الأمريكية) والحيلولة دون وقوع الإرهاب» الذي وقعه الرئيس جورج بوش يوم السابع عشر من الشهر الجاري وضع برنامجا تجريبيا لتقديم منح دراسية لمدارس ترعاها الولاياتالمتحدة في دول إسلامية كما يتضمن تعليمات بإنشاء وزارة الخارجية «صندوق فرص الشباب الدولي» من خلال منظمة دولية قائمة حاليا لتحسين التعليم الحكومي في الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها، ويكون هدف هذا الصندوق «تحسين التعليم الحكومي في الدول الإسلامية والتواصل مع عناصر من الشباب المسلم في سن مبكرة لتسهيل جذبهم للفكر الأمريكي وتقديمهم العون الاستخباراتي اللازم (للولايات المتحدة) إذا لزم الأمر فيما بعد». ولأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية تفرض دولة أجنبية قانونا للتعاون مع إعلاميين محليين في إنشاء وسائل إعلام محلية في الدول الإسلامية. وكان سبق للولايات المتحدة عبر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقديم تمويل سري لصحف ومجلات عربية في أواخر الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي في كل من مصر (اشهرها صحيفة أخبار اليوم) التي اتهم فيها الأخوين مصطفى وعلي أمين، ولبنان، إلى جانب نشر مطبوعات بتمويل مباشر مثل مجلة «المختار» التي توقفت فيما بعد نظرا لفشلها في تحقيق أهدافها. إذ يتضمن «قانون إصلاح الاستخبارات والحيلولة دون وقوع الإرهاب» تعليمات إلى وزارة الخارجية بتشجيع صحافة مستقلة في الدول الإسلامية تتخذ منحى أكثر تفهما للسياسات الأمريكية وإيجاد صحفيين محترفين لهم القدرة على فهم المؤسسات الأمريكية كجزء من إستراتيجية الدبلوماسية العامة الشاملة الخاصة بالعالمين العربي والإسلامي. ويخول القانون مؤسسة «الصندوق القومي للديمقراطية» تمويل مجموعة من القطاع الخاص لإقامة شبكة وسائل إعلام حرة لمساعدة المشتركين على تبادل المعلومات الخاصة بتطوير وسائل إعلام حرة في المجتمعات التي تمر في مرحلة انتقالية، في إشارة واضحة إلى العراق الذي تحتله الولاياتالمتحدة. ويلاحظ أن الولاياتالمتحدة كثفت مؤخرا تمويلها لعقد مؤتمرات خاصة بالديمقراطية في الدول العربية، حيث جرى في شهر ديسمبر الجاري عقد خمس مؤتمرات دفعة واحدة كان القاسم المشترك فيها»مركز الإسلام والديمقراطية» الأمريكي في واشنطن الذي يتلقى تمويلا حكوميا أمريكيا. والمعهد العربي لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من تونس مقرا له، والذي يفترض أن يكون جزءا من «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» وبعيدا عن التمويل الرسمي الأجنبي. ويخول القانون للولايات المتحدة إنفاق «المبالغ التي قد تكون ضرورية (من الأموال الفيدرالية)» في العامين الماليين 2005 و2006 ل»مبادرة الشراكة للشرق الأوسط» للمساعدة في تعزيز حكم القانون والديمقراطية وأنشطة رجال الأعمال في العالم الإسلامي. وتقوم بعض السفارات الأمريكية في دول عربية بدفع تكاليف دراسة وتعلم بعض الصحفيين العرب اللغة الإنجليزية في بعض المعاهد المتخصصة في ذلك. ويفرض القانون أيضا على وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس أمناء الإذاعات الدولية الذي يدير إذاعة صوت أمريكا وراديو سوا وقناة الحرة الناطقتين باللغة العربية، رفع تقارير في فترات منتظمة إلى الرئيس الأميركي عن جهود التواصل مع المسلمين وتأثير العمل الإعلامي في أوساطهم. وينص قانون إصلاح الاستخبارات أيضا على إجراء تقييم سنوي لأنشطة وإستراتيجية الدبلوماسية العامة الأمريكية، ويشجع وزارة الخارجية على تحسين الأنظمة التي تتبعها في التوظيف والتدريب في مجال الدبلوماسية العامة، خصوصا تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة. إذ يفرض القانون الجديد توظيف أشخاص يملكون مهارات ملائمة في اللغات والعلاقات العامة لتعزيز قدراتها في مجال الدبلوماسية العامة»، معتبرا أن «العرب الأميركيين تربة خصبة لذلك إلى أن يتم خلق صف آخر من الشباب في العالم الإسلامي». ويوصي القانون بأن يلعب السفراء الأمريكيون دورا أكبر في الدبلوماسية العامة ، ويامر بأخذ الخبرة في الدبلوماسية العامة بعين الاعتبار عند النظر في طلب موظف ما ترفيعه إلى صفوف الدرجات الرفيعة في السلك الدبلوماسي. وأعاد القانون تأكيد التزام كان قد أعلنه الكونغرس بدعم إعادة تعمير وتنمية أفغانستان، وضرورة تقدم دول أخرى لتحمل مزيد من الأعباء الاقتصادية والعسكرية.