أستاذ تاريخ المروج الثالث منذ فجر التاريخ البشري والعالم يروي ألغاز بابل: برج بابل، الجنان المعلّقة. التنجيم، الكتابة... ولبغداد اسرارها منذ بدايات التاريخ العربي، لعل اكثرها شيوعا، كنوز علي بابا ورحلات السندباد... وحتى تاريخ هذا اليوم لم تكشف بغداد عن كامل اسرارها. أسرار السقوط والخيانة والاختفاء وأسرار البقاء، رغم كل ما يحدث. ومن آخر الاسرار ما جدّ في الشهر الفارط من تحولات في السياسة الامريكية في العراق. والعنوان الذي اوردناه ليس اعلانا عن شريط سينمائي عجائبي، بل هو جزء من الواقع والمشهد العراقي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فكل متتبع عادي لسير الاحداث باستطاعته ان يلحظ كيف ان الولاياتالمتحدةالامريكية بدت مع بداية شهر اكتوبر وكأنها «تجنح للتفهّم والتنازل» عندما استبعدت صلة صدّام حسين بالقاعدة ووعدت بالاسراع في اعداد الدستور وعمدت الى «تنظيف» بطاقة سوابق سلطان هاشم وزير الدفاع العراقي المطلوب، وعادت مجددا الى أروقة المنتظم الاممي. كما وصل بها الأمر الى ازاحة المسؤول الرسمي عن الغزو: رامسفيلد، عن موقع الصدارة. لتعود في منتصف نفس الشهر الى اللغة الخشبية الى الوعد والوعيد والى سباق الهروب الى الامام. رغم الخسائر التي اصبحت اكبر. ورغم رمال الصحراء العراقية التي غدت اكثر حركة. ما السر في ذلك؟! وما شفرة حلّه؟ إن مفتاح اللغز يكمن حسب رأيي في النطق بهذا الاسم «كوندوليزا رايس» مستشارة الامن القومي الامريكي هذا الاسم الذي اقترن بكل الملفات المعقدة جدا والسرية جدا جدا: ملف الانهيار السوفياتي، وملف اجتماع الحجرة المغلقة ليلة غزو العراق وصولا الى تحويل الملف العراقي الحالي من درج الاولوية العسكرية الى كواليس الطبخ المخابراتي. إن مهمّة رايس الحيويّة والملحّة هي ايجاد مخرج لائق للمأزق الامريكي في العراق مع ما يتطلبه ذلك من تكتم وخطوط حمراء وخصوصا من ربط للجسور مع الاطراف المحرّكة للواقع والفاعلة فيه حقا حتى وان كانت الشر نفسه، حتى وان كانت «قنّاص بغداد» وكل ذلك تحت غطاء من الجعجعة الاستهلاكية من قبيل، سوف تمضي الى النهاية وسوف ننتصر. أما آخر الاسرار الى غاية يوم 6 نوفمبر 2003، فهي التصريح الاخير لجورج بوش الصغير الذي اعلن فيه عن برنامجه لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط والتلويح بمواصلة النزال بين الحريّة والارهاب. واثر إلقاء كلمته تلك حرص راعي السلام الاول على وضع رامسفيلد على شماله وكولن باول على يمينه حتى يوحي لنا فرجويا بذلك الانسجام المثالي بين كواسر امريكا وغربانها، كناية عن الصقور والحمائم، هذا يفتك وذاك ينعى. أما الاصل في لعبة خيال الظل تلك، هو أن الوقت يجري بسرعة في اتجاه موعد الانتخابات في الوقت الذي تبدو فيه الحلول العسكرية والسياسية مُقعدة وضربات المقاومة موجعة. فلم يبق للبيت الابيض سوى تحبير الورق الابيض بالخطاب تلو الخطاب ولا شيء غير الخطاب على السطح في انتظار ان يستوي الطبخ على وصفة رايس في الدهاليز. تبقى في النهاية الشفرة والمعادلة الوحيدة المأمونة ولكن لغير أمريكا والقادرة على كشف كل الاوراق والضامنة للحل المشرف للانسانية جمعاء هي: المقاومة.