أهنئك بما أحرزته اليوم من ثقة توجتك رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية وأتمنى لك التوفيق، في مهمة بالغة التعقيد حقا وتتطلب «نسرا متحفزا يرفع جناحيه» أبدا كي يقوى على معالجة الإرث الرهيب المترتب على عقود الاحتلال وما نحته ولم يزل من رزايا وآفات تنوء عن أثقالها الرواسي. لقد شاءت المقادير أن تتولى المسؤولية الأولى وليست ثمة أمامك سوى روم وخلفك روم... وفي زمن أصبح مع «السلام العادل» شائنا ومثار سخرية من أكثر ساقطات الحروب وحشية وعدوانية وعنصرية «اسرائيل» وبحيث تصبح المقاومة بكل صورها مسألة شرف قومي اضافة لشرعيتها الدولية. كما تتولى القيادة في زمن يمارس فيه الغزاة ما وصف «بالتدمير الخلاق» عملا بأدبيات برنار لويس (مصنع أحقاد الرئيس بوش) ضد فلسطين وشعبها الأبي وضد العراق الشقيق، وضد أمتينا، وفي زمن يوقع فيه نفس الرئيس ما وصف بقانون مراقبة معاداة السامية مع محاولة فرضه على العالم كدين سماوي! هذا القانون الذي يمثل ذروة الارهاب والابتزاز السياسي والعنصري، والذي يستهدف محو خصوصياتنا الثقافية وكل مركبات وعينا، وصمودنا وثقافتنا التحررية، وبحيث يصبح الصمت على الاحتلال الاسرائيلي وفظائعه في بلدنا المحتل «ثقافة سامية» يمر معها المشروع الصهيوني دون خسائر! ها أنت تتولى القيادة في زمن مزق فيه سفاح العصر أرييل شارون النسيج الرقيق والواهي للقانون الدولي وأحال قرارات الشرعية الدولية على المتاحف! وسعى على مدار السنوات الماضية الى محاولة إلباس الضفة وغزة «رداء نيسس» كي تتعذبان فيه حتى الموت، وإذا يلتفت «لاستهجان» المجتمع الدولي «يجود» بمشروع سياسي فحواه حكم اداري ذاتي وكيان ممزق الأوصال هو محمية اسرائيلية طبقا لمشروع شارون وخرائطه ولاءاته الحاسمة التي أكدها من جديد في مؤتمر هرتزيليا منذ أيام، مستثمرا بالطبع ميزان القوى الراهن والذي لن يعطي أي حال عادل بل سيضاعف من عذابات شعبنا. إن بين يديك يا أخي الرئيس ثوابت وطنية تحتم علينا التفكير في وسائل انجازها واذا تعثر فسيتحتم علينا التفكير بتأمين مقتضيات حماية هذه الثوابت وتحريم أي مساس بها مهما طال أمد العملية السياسية. إن ثمة مصالح وطنية وحقوق وراية محترمة لا بد وأن ندافع عنها بحد السيف إذا تطلب الأمر ذلك. وسيتطلب الأمر ذلك ما دامت فلسطين محتلة. فلا أمن ولا أمان لوطن لا يستمد ضياءه من لمعان سيوفه. وسيظل الحق أثمن وأقدس من السلام الشائن المعروض، وهو ما يعني عموما منح السلطة الوطنية رعاية الأم للانتفاضة والوحدة الوطنية دون اغلاق أبواب العمل السياسي بالطبع المكرس فحسب لانجاز ثوابتنا وأنت أهل لذلك إذ تكون رئيسا يصون الشعب بأسره، بكل أطيافه وفئاته وحركاته الوطنية وأحلامه، وما دمت على رأس شعب تجازف أجياله بعرقها من أجل حريتها، ولن يغيب عن البال في هذا السياق أيها الأخ الرئيس ما أكده التاريخ القديم والحديث والمعاصر. من أن سياسة الاسترضاء لا تفتح سوى شهية المعتدي أكثر. ان أمامك يا أخي الرئيس وأنت على رأس منظمة التحرير الفلسطينية بعد رحيل الأخ الرئيس المناضل أبو عمار مسؤولية تمكين هذه المنظمة من استعادة قوامها وركائزها ودورتها الدموية وشخصيتها المستقلة وانجاز التكامل بين مؤسساتها في الوطن والخارج. ففلسطين لم تزل محتلة ومهام منظمة التحرير وأهدافها بل ومبررات وجودها لم تزل قائمة كما أجد أن ثمة مسؤولية وطنية استثنائية تتطلب اغلاق كل الأبواب على أولئك العابثين بحق شعبنا بالعودة الى دياره وممتلكاته ووطنه فلسطين... «بوثائقهم الصفراء» وفي الساعين للتشكيك باجماع شعبنا على ثوابته وحقوقه. فمسألة الأرض والسيادة والهوية وإن كانت موضع اجماع مقدس لشعبنا يستعصي على كل اختراق فانها لا تخضع للاستفتاء والحقوق الشرعية الثابتة وغير القابلة للتصرف لا تخضع للاستفتاء لأنها ملك الأجيال في الوطن والشتات، تلك التي سترث هذه الأرض الطيبة والمباركة، وليست ملكا لجيلنا وحده. سيكون من أسباب تقدمنا أيها الأخ الكريم الاصلاحات الوطنية الشاملة، وتصفية كل أشكال الفساد واستغلال النفوذ والفوضى والتمسك بعصمة النظام لا عصمة الأفراد، كما سيكون من أسباب تقدمنا اعتماد الشفافية وسيلة لتخليص السلطة والمنظمة من أية ريبة، وتخليص كياننا الوطني من أية أسباب للضعف والوهن. وسيظل ايماننا بالتنوع والتعددية وحرية الرأي والكلمة، واسترشادنا بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وبمقولة روبسير الخالدة «قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لحقك في الدفاع عن رأيك» وبالديمقراطية وجوهرها العدل وهدفها تحقيق التقدم الإنساني، الوسائل التي تثري الإبداع والحداثة وتولد العقول الحوامل، كما تمتن صرحنا الوطني وتمنحنا بطاقة المدنية وتمكننا من المساهمة في الظفر بأهدافنا استنادا الى حقيقة امتحنها الدهر ومفادها : كل شيء مع الحرية ممكن! انني أرنو إلى لحظة تاريخية ننعم معها فيما بقي من العمر بشمس الحرية تستطيع على بلدنا الحبيب الذي طال ليله، وعلى أحبابنا الأسرى وقد عادوا الى أحضان الأهل والحرية وأدعو الله كي لا تخلف سياساتنا ضررا للوطن الذي سيرثه أودلانا وأحفادنا وسيظل الإخلاص لفلسطين هو الرادع لكل ضرر بل وأقصر الطرق الى القدس عاصمتنا المباركة الخالدة. أهنئك مرة أخرى يا أخي الرئيس وأتمنى لك التوفيق، وعلى درب فلسطين كان الله في عونك. عاشت فلسطين حرة عربية، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.