ياقوت بن عبد الله المستعصمي الرومي، جمال الدين، من موالي المستعصم. كان مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة في بلاد الروم، ولا تذكر المصادر شيئا عن أسرته الرومية الاصل أو بلده أو أبيه، كل الذي ذكر أنه وقع أسيرا وهو صغير من غير معرفة اسم الذي أسره. بعد أسره سيق الى بغداد حيث اشتراه تاجر حموي يدعى «عسكر»، فسمّي «ياقوت» وهو اسم كانت العرب تطلقه على الرقيق، ولما كان مجهول اسم الأب الرومي، فقد جعلوه عبدا من عبيد الله، ومذ ذاك أبح اسمه ياقوت بن عبد الله الرومي، ثم ألحق به لقب الحموي للدلالة على اسم مولاه الذي اشتراه. وما كان مولاه عسكر تاجرا ليس له معرفة بالكتابة والقراءة، فقد دفع الصبي الصغير الى الكتّاب ليتعلم الكتابة والقراءة هناك، ولما أتقنهما استعان به في أعمال تجارته، ثم لما شبّ وكبر اندفع ياقوت الى تعلم النحو واللغة. عندما أصبح ياقوت مساعدا لعسكر في أعمال التجارة، كان لابد له من الاسفار، وقد كان غلاما حين كان يتردد الى كيش (جزيرة في وسط البحر الهندي، أهلها فرس)، ثم الى عُمان في جزيرة العرب، وكان أكثر أهلها خوارج إباضية، ثم كان يعود الى الشام وهي تحت حكم بني أيوب. وفي سنة ست وتسعين وخمسمائة، وكان ياقوت قد بلغ الحادية والعشرين من سنّه، جرت بينه وبين مولاه عسكر جفوة فأعتقه وأبعده عنه. وربما كانت هذه الجفوة في صالح ياقوت، إذ اندفع هذا الشاب الى المطالعة والقراءة والتحصيل واشتغل في النسخ، فكانت الافادة من كل هذا عظيمة فحصل له من هذه العلوم فائدة كبيرة. ثم لم يعتّم ان عاد الود بينه وبين مولاه عسكر بعد بضع سنين، ولأجل ما حصّله ياقوت من العلم فقد جعله مولاه شريكا له بالمضاربة، فأعطاه من ماله وسفّره الى كيش التي كان يقصدها صغيرا. ولما عاد ياقوت من سفرته هذه وجد أن مولاه عسكر قد توفي سنة ست وستمائة، فأعطى زوجة مولاه وأولاده ما رضوا به، وأبقى معه ما تبقى من المال ليتاجر به. وكان أن اختار لتجارته تجارة الكتب فكانت مربحة فكسب منها. وإضافة الى معجم البلدان ألّف ياقوت أيضا معجم الادباء، وهو معجم جمع فيه أخبار النحويين واللغويين والقرّاء والنسّابين والاخباريين والمؤرخين والورّاقين والكتاب، وكل من صنف في الادب تصنيفا. واختصر ياقوت «جمهرة النسب» لابن الكلبي، وجرّد مع معجم البلدان، المختلف صقعا والمتفق وضعا»، ثم صنّف كتبا ضاع أكثرها، نذكر منها: معجم الشعراء. كتاب المبدأ والمآل في التاريخ. كتاب أخبار المتنبي. كتاب أوزان الاسماء والافعال الحاصرة لكلام العرب. وله رد على ابن جنّي في كلامه على الهمزة والألف في سرّ الصناعة. ذكر مستشرق فرنسي ان معجم البلدان من المؤلفات التي يحق للاسلام أن يفخر بها كل الفخر.