في البدء عندما دقت الادارة الأمريكية طبول الحرب وفزّعت حلفاءها لمباركة فتح أبواب الجحيم وقف هؤلاء صفا واحدا عدا الأتباع ضد خيار الحرب.. وغصّت شوارع أوروبا بالمتظاهرين ضد غطرسة الادارة الأمريكية.. وعندها سقطت نظرية «صدام الحضارات» لحين.. وغاصت الولاياتالمتحدة في الوحل العراقي... نعوش وخيبة وجرحى والعراق الموعود بالديمقراطية والحرية والرّفاه زاد خرابا على خراب.... وكان من المنتظر أن يعلو صوت المناهضين للحرب أكثر لأن الأحداث صدّقت خشيتهم وانذارهم... العالم لم يعد أكثر أمنا بل زاد الانخرام وتوسّع العنف ودخلت العلاقات الدولية بأسرها في نفق مسدود.. عندما بدأت القوات الأمريكية تُلطم على الوجه وتُركل على المؤخرة باتجاه باب الخروج. عادت «الصحوة» فجأة للمناهضين للحرب وزادوا تقربا من الادارة الأمريكية وراحوا يصرحون علنا بأنه عليهم أن يقفوا الى جانب المحتل وتخليصه من المأزق وشهدت مواقفهم ارتخاء غريبا... وصاروا يتحدّثون عن ضرورة الوقوف الى جانب المعتدي وإعادة الدّفء للتحالف لأن المسألة أصبحت تهدّد المصالح الاستراتيجية للغرب هيبة وهيمنة. ولو حاولنا فهم هذا التناقض الغريب لوقفنا على حقيقة مرعبة ولكنها طبيعية في لعبة الأمم... فالرافضون للحرب لم يكونوا ضد أمريكا وإنما ضد استفرادها بالغنيمة العراقية وبما سيليها حسب خطّة إدارة بوش في أمركة المنطقة والسيطرة الكاملة على مقدراتها.. الرافضون كانوا مغتاضين لهذا السبب فقط والدليل هو أنه ما إن احترقت أصابع المحتلين حتى خشي الرافضون على أن يتحوّل فشل الولاياتالمتحدة وهي القوة العظمى ورائد الحضارة الغربية الى زلزال يجعل البنيان كله يتداعى ويخسر بالتالي الغرب التكنولوجي والحضاري والمسيحي سيطرته على العالم... إذا فشلت الولاياتالمتحدة فلن ترفع دولة غربية أقل شأنا رأسها ولن تبتز العالم المتخلف أو تسيطر على مقدراته وهو القابع على ثروات الطاقة والمعادن وهو السوق الاستهلاكية التي ترزح تحت احتلال الصناديق الدولية التي وضعتها الدول الغربية ذاتها... ثم هناك الحضارة والثقافة والدين جزء من الثقافة إن لم يكن كله بدليل رفض انضمام تركيا الى أوروبا بسبب الدين وليس لسبب آخر... هم يخشون على حضارة الغرب بقيمها المشتركة بين أوروبا والولاياتالمتحدة... هم يخشون امتلاء الدول المتخلفة بعقيدة مفادها أن حضارة التكنولوجيا لا تقدر على حضارة الايمان بما يعنيه ذلك من سقوط اسطورة تفوق حضارة على أخرى... فشل إدارة بوش سيعود بالوبال على أوروبا.. تداعيات لا تقدر الكتلة المناهضة للحرب على تحملها... هذا ما قاله أحد نجوم معارضة الحرب وهو وزير خارجية فرنسا... ولا ننسى أن هذه الدول ذاتها لها تاريخ استعماري لايقل فضاضة وفظاعة عمّا تقوم به الادارة الأمريكية حاليا.. الرجل الأبيض المبشر بثقافة وحضارة متفوقة يخشى على مكانته. هذه هي الحقيقة. لذلك فإن المسيحي يقف مع المسيحي والمسيحي المتطرف يقف مع اليهودي الصهيوني واليساريين مع الأحفاد المعتدين ليهود هم من قاموا بظلمهم ذات يوم... ويقف الحقوقي مع المجرم لأنه «سامي» وهو ضد «اللاسامية» التي هي بالأساس صناعة غربية... وعندما يقتل عربي فإن التقارير تقول أنه أصيب على وجه الخطأ.. جنحة.. خبر عابر.. وعندما يصاب الجندي الاسرائيلي المحتل وقاتل الأطفال بزكام يهرع الساسة في الغرب الى الأبواق ليصيحوا «كلنا يهود»...