لم تضرّ السينما والتلفزة شعبا مثلما أضرت السينما المصرية والأعمال الدرامية المصرية بصورة المصري والمصرية بصفة خاصة. ولو صدّقنا أن صورة المصري هي تلك التي نراها على الشاشة لما صدّقنا ان هذا الشعب العظيم هو بطل العبور ومحطّم اسطورة خط «بارليف» والجيش الذي لا يقهر. ان حكاية «الباشا» و»الباش مهندس» و»العالمات» وغيرها أضرّت بصورة المصري عموما الذي لم تنصفه سوى أفلام قليلة جدا. ومثلما أضرّت هذه السينما والأعمال الدرامية بالمواطن المصري قدّمت السينما التونسية صورة سيئة جدا عن التونسي وعلى خطاها سارت بعض الأعمال الدرامية. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ انما تحالفت خلال شهر رمضان مجموعة من البرامج و»المنوعات» لتصوّر التونسي وكأنه أبله أو منحرف أو مختل عقليا وساذج! لنبدأ ب «عند عزيز» هذه السلسلة الطريفة كيف قدمت التونسي؟ متكالب على المال ومتحيّل ونصائحه كلها غير صادقة أما عن شكل التونسي فهو مشوّه اما «بُطّي» أو سمين بشكل يصوّره وكأنه معتوه (سي الصادق مثلا) أو قصير جدّا («سطيش» نموذجا) وكل أفراد «السوبرات» من المعتوهين أو القريبين من البلاهة وضواحيها! اما عن الكاميرا الخفية فحدّث ولا حرج فقد صوّرت كل التونسيين على أنهم رضعوا السذاجة والغباء بلا حساب وعلى خطى الكاميرا الحفية/الغبية، وبدعوى الاضحاك صرنا نرى الفنان التونسي في صورة أبله، تافه، غبي، جاهل، انتهازي. وصرنا نتعامل معه وفق أسئلة سخيفة لنُظهره في صورة بائسة...! لمصلحة من تقديم هذه الصورة البائسة عن التونسي فهو سخيف ومتحيّل وعنيف «وكمبان» (انظر مسلسل دروب المواجهة) هل نحن فعلا كذلك؟ صحيح المجتمع التونسي يعج بالمتناقضات وصحيح أيضا انه يحتوي على نماذج سلبية لكن أين الجوانب المضيئة في مجتمعنا؟ لماذا لا نعمل على ابراز مواطن القوة ومواطن الضوء في هذه الأعمال؟ لماذا نصرّ على جلد أنفسنا وتكريس صورة التونسي الغبي التافه الحقير وهي صور ظالمة لا تنصف التونسي بكل شرائحه؟ هل فكرنا في هذه الصورة وهي تخترق الفضاء لتصل الأشقاء العرب؟ لسنا كذلك ! سادتي.. اسمحوا لي أن أقول نيابة عن كل التونسيين: عفوا يا جماعة 71 شارع الحرية لسنا أغبياء ولامعتوهين أو أنصاف سذّج حتى نصوّر بتلك الصورة المقرفة وهل تراجع التلفزة اختياراتها وتعيد النظر في طريقة تعاملها مع الانتاجات قبل بثّها مراعية صورة تونس داخل البلاد وخارجها... وإذا كان هناك من استظرف صورته وتلذذ بجلد نفسه فذاك شأنه لكن نقولها بكل وضوح: عفوا لسنا كذلك ونقول لبعض المنتجين من حقهم البحث عن الضحك والتسلية لترويج «بضاعتكم» ولكن من حقّنا أن نقول: لا لترويج «بضاعتكم» على حساب صورتنا التي نريد أن نراها في مرآة نظيفة وواضحة غير ملبّدة بغيوم هدفها الربح السريع!