منذ بدء ما سمي بمسار السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين على اساس مرجعية اوسلو لم تخل الطروحات الاسرائيلية من الخداع والاجحاف رغم ما يظهره الفلسطينيون في كل مرة من حسن نيّة في دفع الامور الى الامام وان كان ذلك على حساب المقاومة المسلّحة التي كفلها القانون الدولي لكل شعب يرزح تحت الاحتلال. ولم تكن ردّة الفعل الاسرائيلية على الاجراءات التي اتخذها رئيس السلطة الفلسطينية محمود في حجم الانتظارات الفلسطينية ولا الدولية بل انها لم تخرج عن دائرة المغالطة التي دأبت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على ممارستها من خلال الترويج لما سمي باجراءات التخفيف على الفلسطينيين في قطاع غزة مقابل منح الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لتنفيذ عمليات التصفية الممنهجة والموجهة اساسا ضد قادة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. وقد سارعت هيئة اركان الجيش الاسرائيلي الى اعلان ما اسمته بوقف العمليات «الهجومية» في المناطق التي انتشرت فيها قوات الامن الفلسطينية شمال قطاع غزة وجنوبه في مسعى لإظهار شيء من «التجاوب» مع دعوات عباس الى التهدئة والى اعلان متبادل لوقف اطلاق النار بعد ان «وعدت» باطلاق سراح نحو 900 أسير وبإعادة فتح معبر رفح الأسبوع المقبل «لتسهيل حركة الفلسطينيين». لكن المتابع للشأن الفلسطيني لا تغرّه مثل هذه الخطوات التضليلية اذا اخذ في الاعتبار المستوى التنفيذي للقرارات الاسرائيلية المتخذة من قبل، ولا تغرنه هذه الاجراءات المحدودة جدا قياسا بما اظهره الفلسطينيون خلال الاسابيع الاخيرة من سعي جاد في التوصل الى هدنة تكون منطلقا لتأسيس جوّ من الثقة ضروري لاستئناف المفاوضات. ولم يُثن الفلسطينيون عن سعيهم ذاك ما دأبت عليه اسرائيل من نكث العهود وخرق الالتزامات وليس آخرها حتما خرق الهدنة في صيف 2003 بعد 52 يوما فحسب من اعلانها. لذلك جدد الفلسطينيون مطالبتهم بضمانات دولية لتطبيق الهدنة واظهار حد ادنى من حسن النوايا لدى الجانب الاسرائيلي بوقف الاجتياحات والاغتيالات واطلاق سراح الاسرى وان كانت هذه المطالب غير كافية لهم حتى يأمنوا مكر اسرائيل بعد ان خبروها مرارا فما جنوا غير الوعود الكاذبة والعهود الفاجرة والاجراءات المخادعة من قبيل الانسحاب بضعة امتار من قطاع غزة لاحتلال مئات الامتار الاخرى في الضفة الغربية او الكف عن اغتيال نشطاء كتائب الاقصى مثلا لفترة ما مقابل اللجوء الى اساليب التصفية الممنهجة ضد كوادر حركة «حماس» وما الى ذلك من الاجراءات التي تجعل سلطات الاحتلال الاسرائيلي في حالة لهث دائم وخداع يومي، بل ضروري لتأمين استمرارها كيانا محتلا، وثمّة يكمن الاختلاف بين طرفي النزاع وثمة ايضا يظهر البعد الوجودي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.