اليوم، هو اليوم العالمي لمساندة الشعب الفلسطيني. لكن أصل الحكاية أن هذا اليوم، يوم 29 نوفمبر من كلّ سنة، والذي يعود بدؤه إلى عام 1947، هو يوم النكبة الحقيقية.. نكبة فلسطين من الأممالمتحدة. فقد التقى كبار العالم في المنتظم الأممي وآثروا نكب الشعب الفلسطيني على أن ينصروه كما بدا لنا أنهم نصروا شعوبا أخرى كانت كما فلسطين تخضع إلى استعمار ألماني أو فرنسي أو بريطاني أو برتغالي. يوم 29 نوفمبر من كلّ عام، يستذكر الشعب الفلسطيني كم هو قاس قدره، وكم هي صعبة حياته. فهو اليوم الذي يحقّ لشعب فلسطين أن يقيس به نفسه في بورصة الأممالمتحدة التي تعمل وفق إرادة الكبار.. والكبار في 1947 آثروا أن يتمموا وعد بلفور لا أن يطبقوا مبادئ «ويلسون» على شعب فلسطين. يوم 29 نوفمبر 1947 هو اليوم الذي صلب فيه الحق في فلسطين، فكانت المؤامرة في أجلى معانيها، فيها اجتمع الحقد الغربي الذي تراكم منذ سقوط غرناطة ومنذ أفول نجم الأندلس، بالحقد الصهيوني الذي بان الآن أن حقده على النازية لم يكن سوى فاصل في حياته الحقودة على العرب منذ زمن بابل. شعب فلسطين، وفي مثل هذا اليوم من عام 1947 نفّذ فيه الغرب المنتصر في الحرب العالمية الثانية كما المنهزم منه، وعد «هرتزل» «ووعد بلفور» وطبّق هذا العالم المتمكن من الأممالمتحدة منذ ولادتها، اتفاقية «سايكس بيكو» المؤامرة.. فلا تقولوا أيها المخططون البارعون في افتكاك حقوق الشعوب وأراضيها، أنكم لم تخططوا للسطو على فلسطين منذ اجتمع «سايكس» و»بيكو» وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا (تباعا) سنة 1916، وعملا على ترك فلسطين مسطرة وملونة على الخريطة بلون مغاير للّونين الذين يحددان حدود مستعمرات فرنسا من نظيرتها التابعة لبريطانيا. اليوم، هو اليوم العالمي لمساندة الشعب الفلسطيني، ولا ندري كيف تحوّل يوم الذبح إلى يوم للمساندة.. ومن أقرّ مبدأ المساندة الدولية هذه يا ترى؟ لا يجب أن نعجب حين نعرف الجواب. إنها الأطراف نفسها التي ساومت وضغطت وناورت في رحاب الأممالمتحدة حتى تستصدر القرار 181 الذي أعطى الوجود لدولة لم تكن في الوجود، ونفى من الوجود دولة عريقة بدأ تاريخها يوم لم يكن لمن ذبحوا فلسطين، تاريخ ولا وجود أصلا. لقد ناوروا وذروا الرماد في عيون العرب، نحن العرب الذين كنّا مرضى من الاستعمار المباشر ومعتلين بمرض التتريك من قبله. ذروا لنا الرماد في العيون، وكنا لا نزال في حالة نزال محتشمة مع الاستعمار وجيوشه التي جاءتنا ذات ليلة تبشّر «بالحداثة» فتدوس على القروي والمدني والنساء والأطفال.. وكل تلك الأعمال المشينة التي قام بها الاستعمار كانت باسم الحداثة. تماما كما نرى اليوم الهجمة في العراق باسم الديمقراطية والهجمة على كلّ الأمة باسم التطوير الديمقراطي. في كل هذه الأحداث، بقت فلسطين كما هي.. محتلة، وأهلها منكوبون بين الشتات والمخيمات، وبين جنازير الاحتلال ومفرقعاته، ثم يجد العالم المتمكن من الأممالمتحدة أبدا، يجد «الفرصة» و»الجرأة» ليحتفل اليوم بمساندة الشعب الفلسطيني.. ونحن العرب لا ندري ما هي سبل المساندة، وقد تراجع هؤلاء الذين افتكوا فلسطين في الأممالمتحدة وأسروها هناك، كيف يتحدثون عن المساندة وقد محوا من الوجود قرار التقسيم على ظلمه للطرف الفلسطيني. اليوم، هو اليوم العالمي لمساندة الشعب الفلسطيني، ولا ندري شكل المساندة اليوم كيف ستكون، وشارون وزمرته يتسابقون على ذبح الشعب الفلسطيني وعلى وأد كلّ مبادرة تسوية، حتى وإذا كانت بمستوى خارطة الطريق، التي تغمض عينا على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. اليوم، هو اليوم العالمي لمساندة الشعب الفلسطيني، وقد سئم شعبنا في فلسطين معسول الكلام، وذرّ الرماد في العيون.. ملّ شعبنا هناك اللغو ويريد أفعالا على الميدان. شعبنا في فلسطين، يطارد الاحتلال ثواره والمقاومون فيه بالدبابات والصواريخ.. فهل رأى هذا العالم المتقدم والذي أعطى فلسطين لمن عبث بالشرعية الدولية ومن عبث بقرار التقسيم فسطا عليه، هل رأى هذا العالم عبر التاريخ، كيف يطارد الصاروخ انسانا والدبابة تقتفي أثر طفل في عمر الورد حمل بيده حجارة، يعبّر بها عن غضبه لأنه لا يعرف حياة كأترابه عبر العالم، ولا يعرف لكراسي المدرسة سبيلا؟ اليوم هو اليوم العالمي لمساندة الشعب الفلسطيني، وشعبنا هناك يستصرخ من مازال بهم ضمير، حتى يكفوا عن مساندته بهذه الطريقة.. مساندة بالصواريخ الأمريكية والدبابات الألمانية، والنووي ذي الأصول الفرنسية. كفّوا عن مساندته بهذه الوحشية، واصغوا إلى شعوبكم الذين قالوا كلمتهم ذات يوم، منذ أسابيع قليلة حين ردّد المواطن الأوروبي أن «اسرائيل» هي أكبر دولة تمثل خطرا على الأمن والسلم العالميين. هكذا يمكن أن يكون للمساندة طعم، فإلى حدود ذاك الاستفتاء الذي أنجزته اللجنة الأوروبية في صفوف شعوبها، كانت مساندة الشعب الفلسطيني بمثابة ذرّ الرماد في العيون، حتى يربح الكيان الغازي الوقت والعتاد والسلاح، وعندها، وكما نراه الآن، يحدثّ العرب والفلسطينيين من عليائه غير آبه بالحق ولا بالعدل، مثله في ذلك مثل كل الاستعماريين المتغطرسين.