لا تزال تونس بشهادة العالم، منذ القرطاجيين وحتى دولة التغيير ارض انفتاح وحوار وتقارب، وساحة لتلاقح الحضارات واختلاط الاجناس وموطنا للتسامح والتضامن. ولا يمضي يوم الا وتثبت فيه بلادنا حرصها على النضال من اجل مستقبل ارغد سعيد للبشرية جمعاء، سيما وان الانسان في السياسة التونسية هو الاول، في الفكر والاول في الممارسة والاول في الغاية. يحتاج العالم اكثر من أي وقت مضى، في ظل الظروف العصيبة التي يشهدها، الى نفحة طيب مقدّسة تدخل، على ارواح الانسانية التحابب والتسامح والرحمة لاجل أن تتقلص الفوارق بين الاجناس والمجتمعات البشرية، فيسود، بذلك الامن الشعوب، ويعم الاطمئنان والسلام المعمورة. وتونس، في هذا المضمار، حرصت على تقريب شعوب العالم عن طريق سبل عديدة ومتنوعة، وخاصة من خلال المشهد الثقافي، الذي صارت المشاركات العالمية فيه خصوصية تميّزه سواء في المجال، السينمائي او المسرحي او الغنائي، وحتى التظاهرات الرياضية. وعلى سبيل الذكر فإن تنظيم تونس لالعاب المتوسط 2001 وحرصها على اعادة تنظيم كأس افريقيا لسنة 2004 وايضا تقديم ترشحها لكأس العالم 2010، ما هو الا دليل واضح وترجمة بليغة للفكر التونسي الذي اختار حب الانسان والسلام دثارا والاعتدال والحوار والانفتاح منهجا ومسلكا. وعملت بلادنا على الانفتاح على مجالها المغاربي من ناحية، والعربي من ناحية اخري، فكانت عنصرا اساسيا وفاعلا في تنشيط المسيرة المغاربية، لاجل تحقيق التكامل والاندماج بين البلدان المغاربية. ولا يختلف عاقلان في ان تونس مثلت المساند الاول للقضية الفلسطينية المشروعة على مستوى القول، والفعل. ولم تقف دولة التغيير عند هذا الحد بل، نقل قائدها الرئيس اعظم نموذج يخدم صالح الانسانية، شاع ذكره في العالم. وصار صندوق التضامن الوطني 26 26، بعد أن ثبتت نجاعته كمثال انساني للتضامن الوطني، والذي خرجت بفضله، مناطق الظل الى ضياء الشمس، والنور، صرحا عالميا اقرّه المنتظم الاممي، بعد ان أيّده المجتمع الدولي كافة. وهي لعمري دعوة تونسية صريحة لحكومات وشعوب الارض بأنه صار لزاما ان يعمل الجميع بجهد من اجل تحقيق كون متوازن ومنسجم وانسانية تساوي درجة الانسانية الحقة. وما تنظيم قمّة خمسة زائد خمسة، التي احتضنتها بلادنا مؤخرا، الا تأكيد على أن تونس لا تدخّر جهدا في تقريب وجهات النظر المختلفة بين الشعوب أملا في تحقيق تفاهم انساني مثالي يتيح للجميع العيش في امن وسلام دون اعتبار الاختلافات الفكريّة والعقائدية والسياسية والحضارية، وذلك بالاعتماد عل سياسة الحوار ونبذ العنف، وهي من اهم مقوّمات المجتمع المدني ودولة المؤسسات، كوسيلة لحسم النزاعات ورأب التصدعات التي يمكن ان تنجرّ عن تباين المواقف والتوجهات في ظل وضع عالمي يتّسم بالتوتر والخطورة. لأجل ذلك رأت بلادنا ان المتوسّط لا يمكن ان يكون سوى واحة أمن واطمئنان وان يظلّ، كما تميّز دائما، مجالا لمنافسة حرّة بين الافراد والفئات والتنظيمات في نطاق احترام القانون ومبادئ حقوق الانسان. وكأننا بهذه القمّة تتخذ شاكلة رسالة مضيئة لكل كائن بشري في ارجاء المعمورة، بأنه لم يعد هناك مجال للانغلاق او التشبّث بموقف واحد، وأنه لا سبيل للادانة او الاعتداء او التكفير بسبب اختلاف الاخر. والقمّة هي دون شك، بلاغ تونسي واضح مفاده خلوّ القاموس التونسي من مصطلحات «الصراع» أو «الحرب» او «التعصّب» قولا وممارسة. فليس ثمّة اقسى من هذه الكلمات على قلوب التونسيين، ذوي الارادة الطيبة بالعبارات المقتبسة من ذكرى الابرياء الذين لقوا مصرعهم، وسالت الدماء من اجسادهم الطاهرة ظلما وعدوانا، ومن صور الروابي وحقول الزرع المحروقة بآلات الحرب المدمّرة. نعم... فليس للحرب غير رائحة النار والرماد والموت... انها الرسائل التي ينتظرها الناس ويخشون استلامها، وهي ذلك الحقد الحارق على الشر والموت، وهي تلك الحياة الفتية التي ماتت، وتلك السير التي لم تعش، والآمال، التي لم تتحقق، والحكايات التي لم تحكى، والكتب التي لم تكتب والاكتشاف الذي لم يتمّ، والعروس التي لم تصبح زوجة. وتونس، الغراء، في هذا السياق، تعتبر ان كل اعتداء على الانسان وكل مسّ قد يلحقه في كرامته المادية او المعنوية جريمة لا تغتفر. فالعنف، الذي ينبذه التونسيون ويمقتونه، هو كما يقول عنه كمال الدين الاصفهاني «مثله عريق قديم، لم يزدهر في ظلّه الثقيل، خير عميم، حتى الغصن الاخضر اذ يذبل، من أثر الرعب، لا ينبت اولادا كالفضّة تزهر في القلب». والمأثرة التي يبحث عنها التونسيون، هي انقاذ البشرية من براثن هذا العنف، من خلال، مواصلة النضال خدمة للسلم والعدل، وترسيخ قيم التضامن والتسامح بين الشعوب بتفان شديد، ونكران للذات. وهذا ليس سوى عادة دأبت تونس على انتهاجها في سبيل سعادة الانسان في الحياة على الارض، والعادة تغلب الاعتياد. وارادة تونس التغيير في خدمتها لمصالح الانسانية قاطبة، ارادة فوق الجهد البشري، بغية أن يتم انتشال العالم من جنون الصراعات والحروب والاوبئة وان تصان من شعلة المصاب براعم الأمل. ويتجلى لكل تونسي، اليوم، طريق واضحة المعالم، تحمل كل علاماتها عبارة «قف احتراما للانسانية». وهذا لعمري مفخرة لبلادنا أمام الهيئات الاقليمية والعربية والدولية، وايضا شهادة غير قابلة للسحب، يعتزّ بها كل التونسيين امام شعوب الدنيا.