* الى الرفيق الأعز الأعزل، في الزمن العربي الازلع. باسم الذي في العالي، قاصم ظهور الجبّارين ومُمهل الأفّاكين الى حين: قوم إذا حاربوا أذلّوا عزيزا وإن سالموا أعزّوا ذليلا الكاتب الحر: سليم دولة إن المتأمل، أيها الرفيق الاعز، في تاريخ شعوب المعمورة، يدرك دون ذكاء، أن الحضارات إنما في ماهيتها وفي أدائها الحيوي تعني ضمن ما تعنيه أساسا مجموع الاحتياطات والتدابير والاجراءات والفنون لسياسة اللذات والآلام، لتصريف شؤون الحياة والممات. وما غبر من الأمم إنما هي تلك التي فرّطت حقا وحقيقة في المسك بأسباب البقاء زمن الازمات، فكان الافراط في الاقبال على الحياة ولايزال يرادفه موضوعيا، أيها الرفيق الاعز، ولادة كل أشكال الوثنيات «ألهاكم التكاثر»... والافراط تماما كما الافراط في الاتجاه بالكلية نحو الماوراء، بإدبار غير حكيم عن شؤون الدنيا قد قاد بدوره الى التفريط في أسباب الكرامة والعزة والانفة والفتوّة، ونقصد العلم والمعرفة والحكمة والتمرّس بالآلام، لذلك ربما نفهم الحكمة الخالدة التي كان قد نبّهنا اليها الخليل بن أحمد البغدادي المعنى من كل شيء محنته... للامم أعياد وعادات هي أقرب الى معاودة مراجعة مكتسبات الذات الحضارية بانتصاراتها وانكساراتها... ووحدها الامم التي تتوفر على جاهزية قبلية للانهيار لا تعتبر، إذ لا تحوّل أخطاءها الى احتياطي من التجارب لئلا يعود، مع كرّ الايام، المكرور من المحن، والامم القوية كما الأمة العراقية بثراء نسيجها الاعتقادي والاثني، وبتنوّع الطقوس لديها، يبقى الثابت الرئيس لديها رأسمال الاساس: العزّة، والتي تعني الظمأ الى العدل الكونيّ ضد تصاغر وصغار كل ضروب اللقاطة العرضية، لقد أحصينا ما يزيد عن أكثر من عشر مؤلفات موسومة بعنوان الاعتبار، ولا نظن ان الامة العراقية وهي تمرّ بامتحان عسير ضمن متوالية الامتحانات التي مرت بها غير قادرة على تخطّي الصغار الكونيّ إزاء بربريات مقنّعة مدجّجة بأخطر أسلحة الحرب المقنّعة بمعجم الحب والحق والواجب والحرية، إذ باسم الحق، مطلق الحق، تمت صياغة حق التدخل، كما طالب به فيلسوف فرنسي مأسوف على انتسابه الى الفلسفة، وباسم العدل أيضا، أيها الرفيق الاستثنائي وفي زمن كوكبة العالم والتبذير الديمغرافي والسخرية من التاريخ، يتم التهويل والتفخيم والتضخيم لكائنات اثنية في عداد الاموات ليطالب بعض الخلق العولميّ بحقه في الوجود باعتبارها أمما، في حين أن هذا الخلق العولمي بالذات يريد أن يمحو أمة من الوجود. إن زمن الاعياد الفردية كما الوطنية إنما هو مناسبة مراجعة الميراث وتفقّد أعضاء جسد الامة للوقوف على حقيقة ما وصل اليه التراكم العاطفي تجاه هذه الامة. نقول كلامنا هذا ونحن نستحضر احتفال الشعب العراقي الأبيّ والاستثنائي بعيد ثورته المجيدة، لنعلن من موقع الانتماء اللامشروط للدفاع عن مكونات الامة وذودا عما به هي هي في زمن العصف بكل ما يحيل الى الخصوصية والذات الرمزية والى المرجعيات الحضارية رغبة من «رامبو» العسكري اقتحام كل المقدسات وتدنيس كل الذوات الاممية، نعلن وبلا خوف من أي كان، كائنا من كان، وكائنا من يكون: دفاعنا اللامشروط مرة أخرى عن الرمز، إذ نحيّيكم فإننا نحيّي، فيكم كل الشعب العراقي الذي دفع ما لا يقوى على معرفته إلا الله عز وجل من دماء زكية تحصينا لما تبقّى من حصون نرجو من الله دوام مناعتها لانها آخر حصوننا وفرصتنا الاخيرة للبقاء والفعل الفاعل في الآن الحضاري الذي خرجت فيه المعمورة عن سائر قوانين الجاذبية، فلم يعد المقدّس مقدسا وفزّاعات الاعلام المعولم تقرع أسماعنا يوميا بالحديث عن الحرب وأخبار تقسيم الجغرافيات باسم خوف مرضيّ مما يسمّى السلفيات، فلكل لحظة تاريخية شيطانها: بالامس القريب كانت الشيوعية، واليوم يتمّ اتهام حضارتنا بأنها الأم الحاضنة للشوفينية والتعصّب وضيق الافق، ونعامل كما لو أننا كائنات متحفية لا تستحق في أحسن الاحوال غير الزوال، والموت بموت نهاية التاريخ على الطريقة الامريكية. أيها الرفيق الاعز: إنه لثمّة حقا «من يصدرون في مواقفهم السياسية عن انتهازية، وانه «ثمة من يصدرون عن مواقف»، ونحن نصدر عن مواقف، فمن أعجبه فقد أعجبه ومن لم يعجبه فسنتركه لوحشة الطريق». إننا حقا وحقيقة كما قال صديقنا الشاعر: «إننا أمة لو جهنّم صُبّت على رأسها... واقفة». وختاما: للعراقيين وللعراقيات المجد، والسلام.