خلال استقباله شابين من المزونة وبنزرت... رئيس الجمهورية: كرامة التونسيين خط أحمر    وزير الصحة يلتقي بإطارات صحية ومستثمرين ورجال أعمال تونسيين بسويسرا    ''ما عاقبت حتى حد'': أستاذة إعدادية بنان ترد على حملة التشويه بعد احتفالات نهاية السنة    هزة أرضية في اليونان يشعر بها سكان مصر وتركيا    أمريكا تقبل طائرة فاخرة من قطر لاستخدامها كطائرة رئاسية لترامب    مقتل موظفين بسفارة اسرائيل بواشنطن...ترامب يعلق    القاهرة تطمئن: الهزة الأرضية الصباحية لم تؤثر على المنشآت    السوبر غلوب 2025: الزمالك والأهلي يمثلان إفريقيا... والترجي يُستبعد رغم بلوغه النهائي    زبير بية: مرحلة الهيئة التسييرية انتهت... ومستقبل النجم الساحلي رهين التوافق    طقس الخميس: أمطار وبرد في 5 ولايات والحرارة تصل إلى 40 درجة    طقس الخميس: رياح قوية مع أمطار غزيرة بهذه الولايات    رئيس وزراء مصر.. نعتذر لأي مواطن تم تعليق معاشه بسبب إجراءات إثبات الحياة    وزير الدفاع يؤدّي زيارة إلى القاعدة العسكرية ببوفيشة    علماء.. مستوى سطح البحر سيرتفع حتى لو توقفت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون    أخبار الملعب التونسي ...جدل بسبب التحكيم ولا تفريط في العياري    كاس العالم للاندية 2025: فترة استثنائية لانتداب اللاعبين من 1 الى 10 جوان 2025    جندوبة: استعدادا لموسم سياحي استثنائي...عاصمة المرجان جاهزة    بيروني: الاتحاد الاوروبي يخطط لمنح تونس المزيد من التمويلات خلال الفترة الممتدة من 2025 -2027    طعنها بسكين وتركها في حالة حرجة فكشفته أثناء إسعافها .. هكذا خطّط طبيب مشهور لقتل زوجته!    فيلم جديد للمخرج منذر بن إبراهيم...«سراب» يستعيد أحداث التجنيد القسري برجيم معتوق    محمد بوحوش يكتب:...عن أدب الرّسائل    وزير الصحة يروج للتعاون ولمؤتمر "الصحة الواحدة " الذي سينعقد بتونس يومي 14 و 15 جوان 2025    الاتحاد الأوروبي: مستعدّون لدعم جهود الإصلاح في تونس.. #خبر_عاجل    وزير الاقتصاد والتخطيط ل"وات": لقاءاتنا مع شركاء تونس الماليين كانت واعدة    تكليف وزارة التجهيز بالتفاوض مع شركة تونسية-سعودية حول إنجاز مشروع تبرورة    قرمبالية: قتيلان و6 جرحى إثر انقلاب سيارة أجرة    صالون الصناعات التقليدية يعود في دورته ال41: ابتكار يُحافظ على الهوية ويُنعش الاقتصاد    لقاء سفير تونس لدى طرابلس برئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يبحث "تطورات الأوضاع في ليبيا"    عاجل/ وزارة النقل تنفي أخبار فشل المفاوضات مع سواق التاكسي وتكشف..    عاجل/ اطلاق النار على وفد دبلوماسي: جيش الاحتلال يصدر بيانا    الكركم: كنز غذائي وفوائد صحية مذهلة.. وهذه أفضل طرق تناوله    شجرة الجاكرندا في تونس: ظل بنفسجي يُقاوم الغياب ويستحق الحماية    الترجي يطالب بتحكيم أجنبي لمباراته في نصف نهائي كأس تونس    وزارة الحجّ والعمرة تُحذّر من جفاف الجسم    النائبة فاطمة المسدي تتقدم بمقترح قانون لضبط ضمانات القروض البنكية وتكريس الشفافية    عاجل/ العثور على جثة فتاة مُلقاة بهذه الطريق    للتمتّع بأسعار معقولة في شراء أضحية العيد: توجّهوا إلى نقاط البيع المنظمة    هام/ بداية من هذا التاريخ: انطلاق بيع الأضاحي بالميزان في هذه النقطة..    النوم لأكثر من 9 ساعات قد يكون مؤشرًا لأمراض خطيرة.. تعرف على عدد الساعات المثالية للنوم    أربعينية الفنان انور الشعافي في 10 جوان    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكأس لكرة اليد (رجال وسيدات): برنامج الدور نصف النهائي    ب"طريقة خاصة".. مؤسس موقع "ويكيليكس" يتضامن مع أطفال غزة    منتخب الأصاغر يواجه ودّيا نظيره الجزائري    أحمد السقا يعلن طلاقه من مها الصغير بعد 26 عامًا من الزواج    منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر يصل القضاء    نهائي كرة السلة: الإفريقي يستقبل الاتحاد المنستيري في ثالث مواجهات النهائي    عاجل/ في العاصمة: طبيب يطعن زوجته بسكين..    بايدن ينفي علمه المسبق بإصابته بسرطان البروستاتا    كيف سيكون الطقس الأيام القادمة: حرارة غير عادية أم هواء بارد وأمطار؟    تم التصويت عليه فجر اليوم: هذه فصول القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة    طقس اليوم: الحرارة في انخفاض طفيف    وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تلغي امتياز استغلال المحروقات "بيرصة"    السينما التونسية تحصد أربع جوائز في اختتام الدورة التاسعة لمهرجان العودة السينمائي الدولي    نابل تحتضن الدورة الثانية من الملتقى العربي للنص المعاصر تحت شعار " المجاز الأخير: الشعر تمرين على الوجود"    موعد رصد هلال ذي الحجة    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    









خميسيات آدم فتحي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


فن الحرب
عامان مرّا اليوم على الحادي عشر من سبتمبر، يذكرون ذلك ويتنافسون في الذكرى ويذرفون الدموع مدرارا وتكرارا (خاصة أمام عدسات الكاميرا) ويبيعون التوجّع والتفجّع، لكنهم يتناسون ذكرى سقوط أكثر من برج فيهم ومنهم وحولهم، فإلى متى النسيان؟ كم مرّ على سقوط بابل؟ كم مرّ على محنة فلسطين؟ كم سيمرّ على سقوطك الطويل أيها الإنسان؟
اخلع أسنانك كي أعطيك اللحم. هكذا يقول الغازي للمغزوّ اليوم.. اجدع أنفك وسأفرش لك الأرض زهورا فوّاحة. انتف ريش أجنحتك كلها وسأعلمك الطيران. أشهر سلاحك في وجه أبنائك لتحرسني منهم. هكذا يقول الجلاد للضحية. ألق السلاح إذا واجهتني فأنا أحرسك من نفسك، هكذا يقول منتج الاحتلال لمستهلك الاحتلال. اخص نفسك (حربيا أولا ثم ننظر..) إذا كنت تريد الأمن والسلم والحرية. هكذا يقول المحارب للمحروب عليه وللمحروب به وللمحروب فيه. والغريب أن في هذا العالم من يصدّق فيصبح أقصى أمانيه تقديم شهادات »الخصاء«..
في كتابه »فن الحرب« الذي أثّر في جلّ مفكّري القرن العشرين وساسته ونخبه بشكل عام، يرى كلاوزفيتش أن امتلاك جيش قوي هو العلامة الفارقة التي تثبت وجود دولة ما بالنسبة الى غيرها من الدول، وأنّ امتلاك سلاح فعال هو العنصر الأساسي الذي يوفر لهذه الدولة أسباب البقاء، وأنّ المعارك والحروب هي » الامتحانات« الحقيقية الحاسمة التي تنظم العالم، وفي ضوئها تحتلّ كل دولة الدرجة التي تستحق من سلّم الترتيب العالمي.
ولم يكن كلازوفيتش مختلفا في هذه كله عن معلّمه ماكيافيل، الذي ترك لنا هو أيضا كتابا بعنوان »فنّ الحرب«، ألّفه بين سنتي 1519 و1520 قبل سبع سنوات من رحيله، وجعل أجزاءه السبعة شرحا لأسرار التاريخ السياسي كما رآه يدور، ومفاد هذا »الشرح« أنّك إمّا غاز وإمّا مغزوّ، وأنّ أي نظام سيكون غير ذي جدوى وسيفشل في خدمة أي حضارة إذا لم يكن لهذه الحضارة »قبضة« تدافع عنها.
والحقيقة أن كلاوزفيتش وماكيافيل لم يكونا في كل هذا سوى تلميذين نجيبين في مدرسة معلمها الأكبر صن تزو، هذا الجنرال الصيني ا لذي ترك لنا هو أيضا كتابا بعنوان »فن الحرب« منذ قرابة الثلاثة آلاف عام، والذي لم يكتف بالتأثير في العسكريين والساسة من أمثال »حلو« في تلك العصور القديمة وصولا الى ماو تسي تونغ في القرن العشرين، بل أثّر أيضا في »جنرالات« الاقتصاد والتجارة الواقفين على أبواب القرن الواحد والعشرين، الذين يقودون اليوم جيوشا من ذوي الياقات البيضاء لا يقلّون دموية عن أصحاب الرشاشات..
ولعلّ من أسهل الأمور أن ننظر اليوم الى ما يحدث على الأرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والكثير من بلدان افريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا، كي نكتشف أن »فن الحرب« لم يعد مجرد تعليمات تنحدر من كتابي كلاوزفيتش أو ماكيافيل أو تتجه الى مرقدها هناك في الأعالي عند صن تزو، بل هي اليوم طريقة حياة يومية تكاد تقوم مقام البداهات عند جميع شعوب العالم، خاصة تلك التي خبرت الوجهة الماكرة في أغلب الأحيان التي يأخذها السلاح عند الحرب، حين تتردد فوهاته بين أن تندسّ في صدور أعداء الوطن وأن تندسّ في صدور أبنائه..
فلماذا يريدون منّا نحن تحديدا تصديق عكس ذلك والإيمان بعكس ذلك والدفاع عن عكس ذلك؟
لنقرأ هذه العبارات مثلا :
الحرب خدعة.
إذا كنا قادرين على الهجوم فعلينا أن نوهم العدو بالعكس، وإذا مارسنا قوتنا عليه فعلينا أن نظهر بمظهر المسالم..
لن يتمّ تدمير العدو إلا بتدميره من الداخل..
النجاح الأكبر في الحرب لا يتمثل في تخريب عمران العدو وقتل جنوده، بل في تدمير إرادة المقاومة لديه.
لنقرأ هذه العبارات، ولنسأل إن كنا نصدق أنها ذات ثلاثة آلاف سنة من العمر وأنها ليست خارجة للتو من بين تنظيرات الحرب الأخيرة التي تُخاض على العالم باسم الدفاع عن العالم.. وضدّ الحرية باسم الدفاع عن الحرية.. وعلينا باسم الدفاع عنا.
اخلعْ أسنانك كي أعطيك اللحم. هكذا يقول الوحش الجديد لفريسته الجديدة، دون أن يجد موجبا ليشرح لها كيف يمكن أكل اللحم لمن كان بلا أسنان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.