لم يكن الاقبال الجماهيري، ليلة أول أمس، بفضاء «النجمة الزهراء» بسيدي بوسعيد، في مستوى عرض «نسيم»، وقيمته الفنية.. فمن تابع منكم هذا العرض، حتما، سيقف وقفة تأمّل، يتأرجح فكره خلالها بين الحيرة أحيانا وبين الاعجاب أحايين أخرى. فالموسيقي المتميز نوفل المانع وظّف خبرته في مجال الموسيقى ليقدّم طبقا متنوعا من الألحان فيها انفتاح على عديد الثقافات الأخرى وخاصة منها الغربية، بيد أن الروح أو الهوية التونسية ظلّت حاضرة في أغلب الأغاني، إن لم نقل كلّها. ورغم أن المستمع قد يذهب به تفكيره الى أنه ثمّة شيء من الاستسهال في التناول الموسيقي، فإن العارفين بنواميس عالم الموسيقى، يعلمون جيدا أن عرض «نسيم» فيه بحث موسيقي كبير اشتغل فيه نوفل المانع على المزج بين المقامات العربية ومنها الطبوع التونسية والإيقاعات الغربية، وسعى الى جانب ذلك، الى المحافظة على الهوية التونسية التي صبغت بها كلمات كل الأغاني، التي خطت بأنامل سليل عاصمة الأغالبة الشاعر جابر المطيري. «ثورة الهمزة» الشاعر جابر المطيري تدفّق شعرا في عرض «نسيم» فألقى قصيدته الممنوعة قبل الثورة والمعنونة ب«ثورة الهمزة» ويقول مطلعها، وهي بالدّارجة التونسية: «مازلت يا ظالم نقولّكْ لا يمشي البدنْ أشلاءْ وما نبيعْ أرضي بسُومْ مهما غْلَى» كلمات أعجبت الجمهور الحاضر ب«النجمة الزهراء» فصفّق لشاعر «النسيم» بحرارة. أداء متميز أما أداء الأغاني فكان من نصيب أصوات شبابية بدأت تشقّ طريق النجاح بثبات فالفنان الشاب مهدي العياشي يتميز بصوت قوي وقادر على أداء كل الألوان الموسيقية وكذلك الفنانة الشابة أسماء بن أحمد والفنان الشاب رياض بركة.. هؤلاء نجحوا في الأداء وتميّزوا بالحركية والتلقائية فكان العرض متميزا على كل الواجهات تقريبا، حتى مرّ مرور «النّسيم».. خفيف الظل، معلنا رؤى موسيقية جديدة بإمضاء موسيقي تونسي إسمه نوفل المانع. ومضات وتجدر الاشارة الى أن عرض «نسيم» يمتدّ على مساحة زمنية تقدّر بساعة ونصف الساعة من الزمن، عرض أثثته فرقة قرطاج بقيادة سامي بن سعيد الذي تولّى التوزيع الموسيقي لأغاني «نسيم» الى جانب محمد المانع وعياض اللبّان. وتتكوّن الفرقة الموسيقية من 10 عناصر أو عازفين وهم سامي بن سعيد ومحمد المانع والهادي الفاهم ورمزي ساسي وزياد لكّود وعازف الايقاع المتميز محمد عبد القادر بالحاج قاسم وعماد الرزقي ونوفل بن محرز والصحبي بن مصطفى وإلياس بوليفة ونوفل المانع على آلة الناي، وقدّم بالمناسبة معزوفة مميزة عنونها ب«معزوفة سلام». علما أن العرض احتوى على 13 أغنية وثلاث معزوفات وهو عرض يستحقّ المتابعة لأنه يتضمّن اكتشافات وأنماط جديدة من شأنها إثراء الرصيد الابداعي في مجال الموسيقى التونسية المعاصرة.