نظم حزب الإصلاح والتنمية بمقره نهاية الأسبوع ندوة حول الإصلاح الجبائي بمشاركة السيد حبيب التوهامي وبحضور عدد من إطارات الحزب ومن الضيوف. وقد استهل الأمين العام محمد القوماني الجلسة بكلمة ترحيبية بالدكتور التوهامي الذي استجاب رغم تمسكه باستقلاليته السياسية لدعوة الحزب إلى فتح نقاش حول المواضيع التي أثارها في وثيقة نشرها على شبكة الانترنت تحت عنوان « الإصلاح أو الموت» في سلسلة من الحوارات تفتتح بهذه الندوة. ثم تدخل الأستاذ حبيب التوهامي مبينا أن قضية الجباية محورية في الاختيارات الاقتصادية. فالجباية ليست مجرد أداة لتمويل الدولة وتوفير موارد لها بل هي مع هذا جزء من النظام المعتمد لإعادة توزيع الثروة الوطنية مما يجعل مصدرها و مآلها في صلب فلسفة ومنطق الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية. وبما أن الضرائب تنقسم إلى ضرائب مباشرة تقتطع من الأرباح والمداخيل والرواتب، وضرائب غير مباشرة توظف على السلع والخدمات، ويدفعها المستهلكون بنفس الطريقة مهما كان مستواهم الاجتماعي (معاليم ديوانة ضريبة استهلاك ضريبة على القيمة المضافة...) فإن دور إعادة التوزيع يكون موكولا فقط إلى الضرائب المباشرة، إلا أننا في تحليل مصادر الجباية في تونس نجد أن ستين بالمائة منها متأتية من الضرائب غير المباشرة وأربعين في المائة فقط من الضرائب المباشرة. وعندما نأخذ في الحسبان أن خمسة وأربعين بالمائة من الضرائب المباشرة متأتية من الاقتطاع من الأجور نجد أن مساهمة المستهلكين والأجراء تقارب الثمانين بالمائة مقابل قرابة العشرين في المائة فقط من مرابيح رؤوس الأموال وهذا يلغي أو يكاد الدور الهام في إعادة توزيع الثروة . عندما نقوم بتحليل مآل الأجر الذي يتقاضاه أحد العمال ونحسب ما يقتطع منه للضريبة ثم ما يدفعه عند استهلاكه كامل أجره كضريبة غير مباشرة، نجد أن أكثر من خمس ساعات العمل مخصصة للضرائب بينما تقل النسبة الموظفة على الأرباح في هذا المستوى من الدخل عن ذلك مما يجعل نظامنا الجبائي غير عادل. إن النقص في الضرائب المباشرة يعود بالخصوص إلى اعتمادها على التصريح الذاتي أساسا مما يسهل إمكانية التهرب الجبائي وهذا يخلق نقصا في مداخيل الدولة التي تلجأ إما إلى زيادة الضرائب غير المباشرة (ينتج انخفاضا في القدرة الشرائية) أو إلى التداين الخارجي ( والديون ليست إلا ضرائب مؤجلة) وبالتالي فإن لا عدالة نظامنا الجبائي، تساهم في خلق انخرام اقتصادي واجتماعي. ومن خلال النقاش مع الحاضرين الذي أداره وأطره الأستاذ التوهامي، برزت أفكار عدة منها: أن الفصل بين الضريبة والضمان الاجتماعي المعتمد في تونس، بمعنى عدم إحداث ضرائب لتمويل الصناديق الاجتماعية، هو خيار صائب لأن النظام التوزيعي الذي تمول به الصناديق يساهم بدوره في إعادة توزيع الثروة. إن الإصلاح المنشود القائم على التخفيض في نسب الضرائب غير المباشرة وتعويض النقص الناجم عن ذلك بالضرائب المباشرة لا يعني بتاتا الزيادة في نسبها، بقدر ما يعني إصلاح النصوص القانونية وتطهير الإدارة الجبائية، بما يحد من التهرب الضريبي مما قد يسمح في ظل حكم رشيد يحسن استعمال المال العمومي بتخفيض نسب الضريبة المباشرة أيضا وينتج عن هذا تحسن في القدرة الشرائية للأجراء تنعش الاقتصاد الوطني وتحسن في القدرة التنافسية للمؤسسات وتنعش نسب النمو. ان مشكل الجباية لا يمكن حله بمعزل عن الوضع السياسي العام إذ لا يمكن الحد من التهرب الجبائي في غياب الثقة بين الدولة والشعب وفي غياب الشفافية المالية والحريات العامة. تبين التجربة التونسية أن اعتماد الامتيازات الجبائية لدفع الاستثمار أو لتوجيهه لم يؤد إلى نتيجة واضحة مما يدعو إلى إعادة النظر في هذه الإجراءات التي تحدث نقصا غير مبرر في موارد الدولة.