الساحل بمدنه وقراه لم يكن بمنأى عن بقيّة جهات البلاد بخصوص شهر رمضان وكيفيّة الاستعداد له ولم يكن بمنأى أيضا عمّا تشهده أسواقه الرمضانية من حيث اللهفة وارتفاع الأسعار والفوضى رغم أن «الخير موجود» «وابكي على الفلوس». ولأن هذه المواضيع باتت مستهلكة من قبل مختلف وسائل الإعلام وأخذت حضّها وزيادة ارتأينا أن يكون تحقيقنا اليوم في جانب آخر فيما يتعلق ببعض الأنشطة المناسباتيّة انطلقنا من الجم فالمهديّة ثم ولايتي سوسة والمنستير وكان هذا الريبورتاج . تتحول كل سنة منازل العديد من التونسيين مع بداية شهر الصيام إلى مصانع صغيرة يرتبط نشاطها بالمواد الاستهلاكية في هذا الشهر الكريم مثل خبز الطابونة والملسوقة والحلويات والموالح وحتى البهارات وغيرها من المواد التي تلقى رواجا ويقبل عليها المستهلك سواء في الجم أو السواسي أو إحدى المناطق الأخرى إذ تتجند جميع أفراد العائلة لممارسة النشاط وإدارة المصنع الصغير وكل فرد يتسلم المهام الخاصّة به فالأم تجهز الأكلة أو الحلويات التي تنوي بيعها والبنت تساعدها ثم يتولى الزوج والأبناء عمليّة الترويج خارج المنزل وقد تلتجئ النساء أحيانا والفتيات للانتصاب على الرصيف وفي مداخل أسواق البلديّة والفضاءات التجاريّة مثلما شهدناه في كل من المهدية وسوسة والمنستير وعديد المدن متحملات المسؤوليّة كاملة بعيدا عن عيون المراقبة وبقطع النظر عن مدى تطبيق هؤلاء لقواعد النظافة والصحة فإنهم يتخذون من مطابخهم «العربي» وبيوتهم ورشات رمضانيّة مؤقتة لممارسة نشاطهم المتنوع مكتسبين خبرة واسعة في صنعتهم وزبائن قارين قد يقصدون منازلهم مباشرة للتزود بما ينتجونه خاصّة الملسوقة كما هو الحال في الجم. الحاجة دعت إلى ذلك أما عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى ممارسة الأنشطة الرمضانيّة فإن البعض خصوصا الرجال يجدون أنفسهم مدفوعين إليها بحكم ظروفهم الاجتماعية القاسية نتيجة بطالتهم المستمرّة كما تجدر الإشارة إلى أن بعض النسوة المتقدمات في السن أكدن لنا أنهن يجدن في تلك الأنشطة عادة الجدود والتي لا يمكن الاستغناء عنها. هذه الأنشطة أصبحت تستهوي العائلات متوسطة الدخل حيث تجد النساء متسعا من الوقت للقيام بها إضافة إلى شؤونهن المنزليّة وأعمالهن المعتادة خصوصا المسنات اللواتي يمارسن تلك الأنشطة منذ سنوات طويلة ويجدن متعة كبيرة في ذلك ولان تروج بعض العائلات منتوجاتها على الأرصفة فإن البعض الآخر يتعاقد مع العطارة والمحلات المختصّة لتزويدها بالكميات المطلوبة سواء من خبز الطابونة أو ملسوقة وهذه الظاهرة مترسخة بصورة أدق في الجم دون سواها.