ونظرا لما يتمتّع به عبد الرحمان بن خلدون من سمعة علمية وكفاءة في التدريس أستعاد بسرعة موقعّه في الجلوس للعلم والتدريس اذ كلّف بالتدريس في مدرسة مالكية . ويقول عن تجربته الجديدة «وكنت لأوّل قدومي على القاهرة، وحصولي في كفالة السّلطان، شغرت مدرسة بمصر من انشاء صلاح الدين أبن أيّوب، وقفها على المالكية يتدارسون بها الفقه، ووقف عليها أراضي من الفيّوم تغلّ القمح، فسميت لذلك القمحية، كما وقف أخرى على الشّافعية هنالك، وتوفيّ مدرّسها حينئذ، فولاّني السّلطان تدريسيها، وأعقبه بولاية قضاء المالكية، سنة ست وثمانين، كما ذكرت ذلك من قبل، وحضرني يوم جلوسي للتّدريس فيها جماعة من أكابر الأمراء، تنويها بذكري، وعناية من السّلطان ومنهم بجانبي، وخطبت يوم جلوسي في ذلك الحفل بخطبة ألممت فيها بذكر القوم بما يناسبهم، ويوفي حقّهم، ووصفت المقام « وبعد أن أتمّ السّلطان من بناء مدرسته (المدرسة الظاهرية وتسمّى البرقوقية أيضا)بين القصرين، وجعل فيها مدافن أهله، وعيّن لي فيها تدريس المالكية، فأنشأت خطبة أقوم بها في يوم مفتتح التّدريس على عادتهم في ذلك « وجاء في مقدّمة خطبة ابن خلدون «الحمد للّه الذي منّ على عباده، بنعمة خلقه وايجاده، وصرّفهم في أطوار استعباده، بين قدره ومراده، وعرفهم أسرار توحيده، في مظاهر وجوده، وأثار لطفه في وقائع عباده، وعرضهم على أمانة التّكاليف ليبلوهم بصادق وعده وايعاده، ويسرّ كلّ لما خلق له، من هدايته أو اضلاله، وغيّه أو رشاده، وأستخلف الانسان في الأرض بعد أن هداه النّجدين لصلاحه أو فساده، وعلّمه ما لم يكن يعلم، من مدارك سمعه وبصره والبيان عمّا في فؤاده، وجعل منهم أنبياء وملوكا يجاهدون في اللّه حقّ جهاده، ويثابرون على مرضاته في اعتمال العدل واعتماده، ورفع البيوت المقدّسة بسبحات الذّكر وأوراده ». وعمل ابن خلدون في التدريس بهذه المدرسة الى أن كاد له الأعداء فيقول «ثمّ تعاون العداة عند أمير الماخورية، القائم السّلطان بأمور مدرسته، وأغروه بصدّي عنها، وقطع أسبابي من ولايتها، ولم يمكن السّلطان الاّ اسعافه، فأعرضت عن ذلك، وشغلت بما أنا عليه من التّدريس والتأليف « يتبع