ما حدث في عدة مدن تونسية أواخر الاسبوع الماضي يطرح الكثير من الأسئلة الحارقة.. أسئلة سبق وأن طرحت في الأشهر الأخيرة اثر أحداث دامية شهدتها عدة مدن وبلدات تونسية ولكنها بقيت بدورها دون إجابة... قد يتعب العقل في البحث عن إجابات شافية لهذه الأسئلة وفي محاولة فهم تكتم الجهات المعنية عن الأسباب والمسببات ومن يشعل نار الفتنة ومن يغذّيها ومن يسعى الى نقلها عبر الجهات لتعيدنا الى عصور خلنا أن التونسي بثقافته وبوعيه وبحسه الاجتماعي والمدني المتطور قد طواها الى غير رجعة.. لكن هذه الأسئلة التي تبقى في رسم المجتمع التونسي بكل مكوناته من أعلى هرم السلطة الى المواطن البسيط مرورا بالأحزاب والجمعيات وكل النخب تلد أسئلة أخرى لا تقل أهمية ويمكن اختزالها في الآتي: أين الأحزاب الوطنية وتعدادها بلغ ال110 بالتمام والكمال وأين الجمعيات وباقي مكونات المجتمع المدني من مثل تلك الأحداث الدامية؟ أي دور لتلك الأحزاب والجمعيات في التأطير والتوجيه ولماذا تترك كل الهوة بينها وبين المواطن العادي البسيط ليلوذ مع أول امتحان بعرشه او بقبيلته او بأبناء حيّه والحال أننا كنا نحسب هذه العصبيات في طي التاريخ؟ بكل تأكيد، فإن الوضع الاستثنائي الذي تمر به بلادنا والذي يوفر بيئة مثالية لكل أنواع الانفلات وفي طليعتها الانفلات الامني والانفلات الاجتماعي والانفلات القيمي وكلها انفلاتات ملغية للعقل، مؤججة للعواطف، مغذية للنعرات... لكن هذا الوضع مكّن في المقابل عشرات الأحزاب من التواجد والتعبير عن نفسها والتحرك ميدانيا لتنظيم صفوفها وتأطير قواعدها والانتشار في كامل ربوع الوطن، والانطلاق بالتالي في المهمة الأساسية لأي حزب في توعية الجماهير وتأطيرها وتعريفها بالقنوات الحقيقية والطبيعية للتعبير عن الرأي او للدفاع عن مطلب او الترويج لوجهة نظر... غير أن تكرر هذه الأحداث الخطيرة والتي تهدد بإغراق البلاد في سلسلة فتن لا مخرج منها يدعو لاستحضار دور هذه الأحزاب ومساءلتها حول حقيقة دورها وحول حقيقة تجذّرها في المجتمع والشعب وحول قدرتها على الفعل والتأطير. ولن يكون كافيا الصراخ بتوجيه التهمة مع كل حريق الى هذا الشق او ذاك.. فالأزمة حقيقية والخطر ماثل وداهم.. والعقل السليم يقتضي ان نتحرّك جميعا دون ابطاء نحو تفكيك هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد وحدة البلاد واستقرار المجتمع وأمنه وأحد مفاتيح هذا التحرك تبقى الأحزاب والجمعيات والنخب المثقفة المطالبة بردم الهوة بينها وبين المواطن حتى لا تبقى مع طروحاتها وتصوراتها في واد ويبقى هو بهمومه وانتظاراته ومشاغله في واد آخر.