إلى أي مدى يمكن النجاح في إصلاح المؤسسة الأمنية بتونس وفي تطوير علاقتها بالمواطن وببقية مكونات المجتمع ؟ يرتبط اصلاح المنظومة الأمنية حسب الخبراء والمختصين باصلاح شامل وكامل ولا يقتصر فقط على اصلاح المؤسسة الأمنية بالمفهوم التقليدي (عون الأمن). ويقول السيد هيكل بن محفوظ، أستاذ القانون العام والمستشار الاقليمي لدى مركز جينيف للمراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة وممثلة في تونس، أن المنظومة الأمنية في شتى دول العالم تتكون من عدّة عناصر الى جانب رجل الأمن، فهي تضم المجتمع المدني والمواطن والأحزاب السياسية والسلطات الثلاث (تنفيذية تشريعية قضائية) والاعلام... لذلك فإن إصلاح «الأمن» بمفهومه التقليدي (البوليس) لا بد أن يمر عبر اصلاح مختلف هذه المكونات بحكم ما بينه وبينها من ارتباط وثيق. الحق النقابي للأمن هل أن قرار منح الحق النقابي لقوات الأمن قرار صائب أم لا؟ عن هذا السؤال أجاب السيد هيكل بن محفوظ أنه ما من شك أن اقرار الحق النقابي لأي هيكل أو سلك عامل هو أمر جيد ويدل على مدى احترام الدولة للحقوق المدنية والسياسية لمواطنيها... وبالنسبة الى الحق النقابي لقوات الأمن، فهو يندرج ضمن هذه النظرة (ولو أنه محلّ جدل في دول أخرى). لكن لابد من الاعتراف حسب محدّثنا أن منح الحكومة هذا الحق لقوات الأمن بمقتضى مرسوم 25 ماي 2011 كان سابقا لأوانه وكان بالامكان مزيد التريث... فالحكومة اقتصرت عند منح هذا الحق على تنقيح فصل أو فصلين من القانون الأساسي لقوات الأمن، وأدرجت الحق النقابي... وكان من المحبّذ حسب بن محفوظ أن تكون النظرة لهذه المسألة «شمولية» أي في اطار اصلاح شامل وكامل للمنظومة الأمنية (كما وقع تعريفها سابقا)، وفي اطار التشاور والتوافق مع مختلف الأطراف بما في ذلك المواطن والأحزاب والاعلام والمجتمع المدني والسلطة وأيضا بالاستفادة من الخبرات الأجنبية ذات التجارب المعروفة في هذا المجال. إصلاح المواطن والاعلام والأحزاب وصف الأستاذ محفوظ اعطاء الحق النقابي للقوات الأمنية بمثابة عملية زرع عضو جديد في الجسم وكان من المفروض تحضير كامل الجسم لهذه العملية حتى لا يتأثر بها سلبا وربما يرفضها... فمن قال مثلا إن هناك من أعوان الأمن من يرفض هذا الحق؟ ومن قال إن المواطن أو السلطة أو المجتمع المدني أو الأحزاب لهم موقف منه ورأي فيه؟ وكان من المفروض توسيع المشاورات في شأنه والتريّث وطرحه في اطار نظرة شاملة وليس في معزل... فمثلا كان بالامكان أن يقع النظر الى اصلاح المؤسسة الأمنية وما ترتب عنه من منح الحق النقابي للأمن بالتوازي مع النظر في اصلاح المواطن والاعلام والمجتمع المدني والأحزاب والسلطة في علاقتهم جميعا مع الأمن، وليس النظر من زاوية ضيقة لعون الأمن فحسب. فهذه الأطراف في حاجة أيضا للاصلاح في علاقتها مع الأمن ولا يمكن اصلاح الأمن بمعزل عنها وإلا استحال تحقيق النتائج المرجوّة، إذ لا يجب ترك هذه الأطراف تستهلك الأمن بل لا بدّ أن تنتجه هي الأخرى لأن عون الأمن ليس مسؤولا بمفرده عن تحقيق الأمن بل المواطن أيضا والاعلام والمجتمع المدني والأحزاب يقع على عاتقهم المحافظة على الأمن العام. تدرج إضافة الى أهمية النظرة الشمولية لاصلاح المنظومة الأمنية، تحدث الأستاذ هيكل بن محفوظ عن عنصر هام وهو ضرورة التدرج في الاصلاح. فإصلاح المنظومة الأمنية لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها رغم احترام الرغبة والنوايا الايجابية للحكومة ولوزارة الداخلية في هذا المجال. فمؤسستنا الأمنية تعود لعشرات السنين (منذ 1956) وتعمل وفق منظومة معينة، وقد يتطلب الاصلاح وقتا طويلا لأنه سيتطلب فتح ملفات عديدة وسيتطلب أيضا تغيير 3 أشياء هامة وهي الممارسة الأمنية والعقيدة الأمنية والعقلية الأمنية. ولن ينجح كل ذلك، حسب محدثنا إلا بالتدرج الذي يفترض تحديد الأولويات والنظر فيها حسب المراحل الزمنية التي تستوجبها حتى وإن تطلب الأمر سنوات لكشف رموز الفساد في هذه المنظومة والمتورطين مع ممارسات النظام البائد ومحاسبتهم بطريقة عادلة ومنح الفرصة للنزهاء من الأمن للتأقلم مع المرحلة الجديدة. أحزاب ومثقفين... وإعلام أكد الأستاذ هيكل بن محفوظ في ختام حديثه على أهمية دور الأحزاب والمثقفين والمساهمة في اصلاح المنظومة الأمنية... فإلى حدّ الآن لم يتقدم أي حزب أو أي مثقف أو نخبة بتصور لاصلاح المؤسسة الأمنية وهذا خطير... وكذلك الاعلام الذي لم يبادر بتقديم تصوراته أيضا في هذا الخصوص. وأكد المتحدث أن تمثيلية مركز جينيف للمراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة بتونس مستعدة للاستماع إلى كل الأطراف ولتقديم المساعدة في هذا المجال خاصة بعد أن فتحت قنوات حوار مع الحكومة ومع وزارة الداخلية وتم الشروع في تنفيذ العملية الاصلاحية منذ جوان الماضي ولوحظت بعض بوادر التطور في أداء المؤسسة الأمنية، على أمل أن يتواصل ذلك في المستقبل.