تشهد الساحة السياسية بولاية القيروان حراكا شديدا ومنافسة بلغت ذروتها خلال فترة الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي. وفي الوقت الذي تبدو فيه «النهضة» اكثر الأحزاب حضورا فانها تواجه هجمة وصدودا. تعد دائرة القيروان التي تخصص لها تسعة مقاعد صلب المجلس الوطني التأسيسي، من أكثر الدوائر من حيث عدد القائمات المترشحة والتي بلغت 78 قائمة منها 39 قائمة حزبية و39 قائمة مستقلة و4 قائمات ائتلافية. وقد تحصلت 65 قائمة على الوصل النهائي منها قائمات رسمتها المحكمة بينما تم رفض 13 قائمة بعضها قدم اعترضا لدى المحكمة. ويمكن رسم خارطة للأحزاب في مختلف المعتمديات حيث تسيطر «النهضة» على معظم المعتمديات وخصوصا بوحجلة والعلا والوسلاتية ووسط المدينة. بينما يسجل حزب العمال الشيوعي التونسي حضوره في بوحجلة و»الحود»(حركة الوطنيين الديمقراطيين) في نصر الله و»المؤتمر من أجل الجمهوريّة» وسط المدينة « والحزب الديمقراطي التقدمي بحفوز والعلا وبوحجلة وتنتشر بعض الأحزاب بشكل متفاوت ومحتشم بين المناطق. كما اكتسحت الساحة عديد الأحزاب الجديدة التي انطلقت من ولاية القيروان ورغم عدم توفرها على مقرات، فإن مؤسسيها هو من ابناء الجهة. وهي أحزاب ناشئة ولدت من رحم الثورة بينما ولدت أخرى من رحم حزب التجمع المنحل. ولعل هذه الأحزاب عاشت مرحلة مخاض عسير قبل افتكاك موضع قدم وتقبل وان كان على مضض تنازلات من الشارع. لكنها لا تزال محل انتقاد وهجوم نظرا الى الممارسات التي تصدر عنها أثناء اجتماعاتها التي تنتهي بالعنف ومن خلال ما يقال انه «سمسرة» لاستقطاب رموز قديمة في الحزب المنحل. أحزاب بلا مقرات وقد تمكنت بعض الأحزاب «الجديدة» من فتح مقرات لها كانت أولها «النهضة» (وهو اكبر مقر) والتي فتحت مقرات محلية في مختلف المعتمديات. الى جانب الحزب الديمقراطي التقدمي والمؤتمر من اجل الجمهورية وحزب العمال الشيوعي و»وطد» و»وطن» والاتحاد الوطني الحر» الذي لم يستقر منخرطوه لعدة أسباب آخرها استقالة المنسق الجهوي والمنسق المحلي ببوحجلة. وأحزاب أخرى تتفاوت في الحضور المحلي بينما تبحث أحزاب كثيرة من بين ال110 حزب عن موضع قدم لها من حيث الحضور والنشاط. فحزب «النهضة» مثلا توقف نشاطه خارج مقراته (الجهوي وال11 محليا) وآخر ندوة نظمها كانت حول قطاع الفلاحة خلال شهر جويلية. وبعد تقديم الترشحات أصبحت لقاءات الحزب بالجهة مغلقة غير ان ما يلاحظ هو ان المقر الجهوي لا يغلق بتاتا من الصباح الى المساء وسط حركية ونشاط مستمرين وأنشطة داخل المقر واجتماعات بعضها مفتوح والبعض الآخر مغلق. وتحاول أحزاب أخرى بنفس القدر ان تبقي مقراتها مفتوحة، لكن بعض الصعوبات البشرية وغيرها تجعلها عاجزة عن فتح مقراتها وخصوصا يوم الأحد الذي يعتبر يوم عطلة. النشاط بين الميدان والمقرات وفي الوقت الذي اختارت فيه «النهضة» العمل داخل المقر، اختارت بعض الاحزاب الاعتماد على الدعاية الحزبية التي تتم على مستوى وطني. على غرار حزب الديمقراطي التقدمي الذي يسلط الضوء دائما على تحركات نجيب الشابي ومنها زيارته الى القيروان قبل ايام واتصاله بعدد من العائلات المعوزة قبل ان يقيم مهرجانا في بوحجلة. الى جانب الاعتماد على الندوات الصحفية والتصريحات والحضور الإعلامي ناهيك عن الحملة الدعائية التي وضعت الحزب موضع انتقاد وتساؤل حول انتهاك قانون الدعاية الحزبية. حزب المؤتمر بجهة القيروان اختار التعريف بنفسه، بالتوازي مع نشاط بعض أنصاره على ال«فايس بوك»، على رسم شعار الحزب على الجدران بعدد من الأماكن العامة وخصوصا المقاهي رغم احتجاج أصحاب المقاهي. كما يلاحظ حضور أحزاب أخرى من خلال البيانات وأثناء الاعتصامات او الاحتجاجات من خلال رفع لافتات وفي الوسط النقابي صلب الاتحاد الجهوي للشغل. وقد عقدت معظم الأحزاب مؤتمرات جهوية واخرى وطنية (المؤتمر من اجل الجمهورية) بينما تكررت زيارات رؤساء الاحزاب والأمناء العامين في أكثر من مناسبة مثل شكري بلعيد وغيره ومعظم رؤساء الاحزاب غازلوا القيروان وشبابها وبطالتها وتنميتها المهمشة ومقدراتها الطبيعية والحضارية والجميع شدد على ان تكون عاصمة الوسط او عاصمة تونسالجديدة وغيرها من الدعايات والمغازلة. وهي في الحقيقة الجهة الاكثر تهميشا منذ الاستقلال فبورقيبة «غضب» وبن علي دجنها من خلال التعويل على رموز سياسيين وأمنيين وولاة أصيلي القيروان (الغرياني والسرياطي وغيرهم). حملة ضد «النهضة»؟ وينشط التيار الإسلامي بمختلف أطيافه، بشكل ملفت في القيروان. لكن بشكل بعيد عن السياسة في بعض الاحيان وتتجه اهتماماته بالمساجد والجمعيات الخيرية. وفي الوقت الذي حسمت فيه جماعة الدعوة والتبليغ امرها مع السياسة والأحزاب واختار جماعتها عدم الخوض في السياسة لا من باب القول ولا من باب الفعل، ومقاطعة الانتخابات، وتشير أطراف متابعة لشأن الجماعات الإسلامية، الى انقسام جماعة السلفيين بين قسم يؤيد المشاركة في الانتخابات ويحث أنصاره على التصويت لمن هو قريب من المشروع الإسلامي مثل الشيخ البشير بن الحسن والشيخ أبو جهاد التونسي وفق بعض المصادر. و منهم من هو ضد الانتخابات وضد «النهضة» ويعتبر حركة «النهضة» حزبا كافرا ولا يدعمها و يحث أنصاره على مهاجمتها. وبالمحصلة فان مختلف الأحزاب والقائمات المستقلة المترشحة والائتلافات، استطاعت ان تجمع حولها أنصارها وان بأعداد متفاوتة. ومن خلال اجتماعاتها، تبدو بعض الأحزاب مدعومة بأعداد كبيرة من المنخرطين. حيث تعج القاعات بشكل متفاوت. لكن يبقى حزب «النهضة» الحزب الأكثر شعبية وقدرة على جمع الأنصار من حوله وهو ما أكدته الاجتماعات واللقاءات الجماهيرية آخرها حفل يوم العلم بالمركب الثقافي. وتشهد حركة «النهضة» منافسة من بقية الأحزاب التي تحرك بعض أنصارها من اجل القيام بحملة مضادة من خلال الكتابة على الجدران بشكل ملفت وفي كل مكان باللون الأحمر تارة وبالأسود تارة اخرى في الشوارع والمناطق التي تشهد كثافة في الحركة، في الوقت الذي يلاحظ التزام قيادات الحركة بالهدوء وعدم الظهور بشكل ملفت في الشارع سواء عبر الحوارات او الأنشطة بينما تشهد المقاهي حوارات ساخنة وجدلا حول برامج الأحزاب والانتقال الديمقراطي والترشحات ويخشى الشق الأكبر من أبناء القيروان من عودة «التجمع» المنحل تحت يافطات ومسميات جديدة عبر النافذة ووسط تحالفات مع أحزاب يسارية. بينما يطغى التردد على الشبان والكهول مثل سحابة قد تنقشع مع بزوغ شمس يوم 23 أكتوبر يوم الحسم.