شهرأيلول (سبتمبر) للشعب الفلسطيني ليس كما هو لدى الشعوب الاخرى... نعتوه بالاسود عام 1970 لكنه احمر مخضب بالدماء الطاهرة التي روت الارض العربية في اكثر من مناسبة. أيلول عام 1970... كانت قد مرت ثلاث سنوات على النكسة (حرب 67) وسنتان فقط على ملحمة «الكرامة» (1968) التي سجل فيها المقاتل الفلسطيني والمقاتل الاردني صفحة من البطولة مسحت جانبا هاما من دمارالنكسة في النفوس العربية وحولت المقاومة الفلسطينية وحركة فتح بالذات إلى مغناطيس يجتذب شباب الامة الذي رفض الهزيمة ولم يجد فرصة للمواجهة الا في صفوف «الصاعقة» الجناح العسكري لفتح التي بدا ثوارها الاشاوس يثخنون في الجسد الصهيوني البغيض المغروس في قلب الامة العربية... . وكانت المؤامرة الكبرى في أيلول حيث عمد الملك الاردني الحسين بن طلال إلى ذبح الالاف من ابناء فلسطين واخرج المقاومة من اطول جبهة مع العدو (اكثر من 600 كلمتر). وكان أيلول الاسود وكان الضحايا بالالاف. وخرج الثوار إلى لبنان وضمدوا جراحهم وانتزعوا النصل العربي من قلوبهم وظلت فلسطين في البؤبؤترنو اليها الانظار وتمتد البنادق إلى بيادرها من الجنوب اللبناني... ومرة اخرى جنّ جنون الصهاينة فاحتلوا جنوب لبنان عام 1978 واقاموا فيه شريطا أوكلوا حراسته إلى العملاء من امثال سعد حداد وانطوان لحد... ولم يوقف لا الشريط ولا العدوان المستمر انطلاقة ثوار فلسطين ومعهم شباب العرب نحو الجليل والمثلث... وفي الخامس من جوان 1982 أي في الذكرى الخامسة عشرة للنكسة وبعدما اطمأن العدو إلى خروج مصر من المواجهة بفعلة السادات وفعل اتفاقيات كمب ديفيد عمد إلى شن هجوم كاسح وصولا إلى بيروت التي احتل اجزاء منها... قاد العدوان المجرم ارييل شارون وسميت العملية (سلام الجليل او عملية الصنوبر)... وفي السادس عشر من أيلول /سبتمبر كانت المذبحة الرهيبة... المشرف والداعم شارون وقواته والمنفذون عملاؤه من الكتائب والقوات المسيحية التي كانت تخوض سنتئذ العام السابع من الحرب الاهلية اللبنانية. . ثلاثة ايام رهيبة بلياليها عمد فيها المجرمون إلى ذبح اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا في ضواحي بيروت... قيل ان عدد القتلى وصل إلى خمسة آلاف. لم ينج شيخ ولا امراة ولا طفل... حتى الأجنة بقرت بطون أمهاتهم... بل وقتل حتى الدواب في المخيم... ومرة اخرى غادرت المقاومة اللبنانية جبهة مواجهة مع الصهاينة بدعم امريكي وغربي وبصمت بل بتواطؤ عربي. . وتلك قصة اخرى. وقامت حرب الخليج الثانية كما سميت أو حرب تحرير الكويت أي الحرب التي شنتها امريكا عام 1991على العراق لاخراج قواته من الإمارة... وكما دأبت واشنطن على فعله ومازالت لوّحت للعرب بطُعم خلّب وهي تجتاح ارضهم وتقتل ابناءهم هذا الطعم هو «حل القضية الفلسطينية «. جمع بوش الاب ما اسماه اطراف الصراع في مدريد نهاية العام نفسه للبحث عن هذا الحل الموهوم. كان الفلسطينيون وبشرط من حكام تل ابيب ضمن الوفد الاردني... وبينما كان الوفد الفلسطيني المؤلف من حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي وفيصل الحسيني في مدريد كان محمود عباس يفاوض سرا في اوسلو. . وفيما افضت مفاوضات مدريد في النهاية إلى «اتفاقية وادي عربة « التي الحقت الاردن بمصر كامب دافيد انتهت المفاوضات السرية الفلسطينية الصهيونية باتفاقات اوسلو. . وكان توقيعها في أيلول ايضا الثالث عشر من سبتمبر عام 1993 بين محمود عباس ووزير الخارجية الصهيوني الدهقان شمعون بيريز. . قبل ان يجمع الرئيس الامريكي بيل كلينتون بين الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء العدو اسحاق رابين. . وكثر الحديث حول اوسلو وليس اليوم أوانه. وتمر السنوات عجافا... وتذوب فلسطين بين دهاليز المفاوضات السرية والعلنية في عديد العواصم... وبالطبع لم ينفذ الصهاينة أيا من الاتفاقيات او القرارات الدولية... ويصل عباس إلى السلطة بعد وفاة الشهيد ياسر عرفات ويظل متمسكا ب»الحل السلمي» وهو سراب بقيعة... ويأتي أيلول هذا العام... ويقرر عباس ان يتوجه إلى الاممالمتحدة يطلب اعترافا ب»دولة فلسطين» على حدود 4 جوان 1967... وحتى هذه يرفضها الصهاينة وترفضها امريكا (واوباما على ابواب انتخابات) ويرفضها الكثير من الفلسطينيين مجادلين بعقمها بل وبانها تنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني... وتلك قضية اخرى... وستمضي الاعوام لكن سيظل أيلول مخضبا بالدماء في ذاكرة الشعب الفلسطيني وأحرار أمته... في انتظار أيلول آت يحمل بين أيامه راية خفاقة عزيزة تهزها سواعد شباب هذه الأمة يؤكدون بها ان للحرية الحمراء بابا بكل يد مضرّجة يُدقّ.