يواجه الثوار الليبيين ومجلسهم الوطني الانتقالي وغبار المعارك لم ينجل بعد تحديات جدية على أكثر من صعيد يتوقف على طريقة معالجتها والتعاطي معها سياسيا وحتى عسكريا مستقبل ليبيا الجديدة الديمقراطية ونظامها المدني ووحدتها الترابية ومكانتها الاقليمية والدولية. فعلى الصعيد الداخلي ونظرا الى طبيعة نظام القذافي الدكتاتورية والمزاجية الغوغائية المفتقر لأي تنمية سياسية ولفقدان اي وجود للمجتمع المدني مقابل تركيزه على تفريخ عصابات غوغائية تختلط فيها التعبئة السياسية المتواصلة بالوشاية والعمل العسكري ضد أبناء الشعب الليبي ومثقفيه ونخبه وهو ما خلف ثارات وضغائن في عموم المجتمع الليبي وخاصة بين قبائله ومناطقه. في حين تتركز السلطة الفعلية في يد القذافي وصهره عبد الله السنوسي وأبنائه وأبناء عمومته ومحاسبيه. ويقوم ما تبقى من ما كان يسمى بالمجلس قيادة الثورة ممثلين في الرائد الخويلدي الحميدي ومصطفى الخروبي ووزير الدفاع السابق أبوبكر يونس جابر بدور وظيفي مذل وبروتوكولي لإضفاء شرعية على النظام وهو وضع أجبر الرائد الركن عبد السلام جلود من القفز من سفينة القذافي منذ عقدين. أما مجلس الشعب العام واللجنة الشعبية العامة وباقي الأمانات القطاعية فهياكل موظفين منزوعي الصلاحيات وجزء من الديكور الذي صنعه القذافي بعد ما يسمى بإقامة سلطة الشعب في 2 مارس 1977. اذن هذه التركة والارضية التي ورثها الثوار في ليبيا وانطلاق الثورة من الشرق في مدن البيضاء ودرنة وبنغازي والجبل الاخضر ونتيجة لدرجة الإهمال التي ميزت هذه المناطق ربما أكثر من غيرها رغم أن القذافي كان عادلا في توزيع الغبن والظلم باعتبارها مناطق محسوبة من نظام القذافي على الفترة الملكية للعائلة السنوسية التي كانت متبوعة بطريقة صوفية لها أتباع ومريدين ونظرا لما كان يحظى به الملك ادريس من تعاطف شعبي ولما عرف عنه من زهد وبساطة وعدم تحوط عسكري. هناك قبائل موالية للقذافي ولها ثقل وتمتعت أو بصورة أدق تمتع وجهاؤها بامتيازات مادية وعينية ضخمة وحتى بعد انطلاق الثورة وزع القذافي الرشاوى والعطاءات لشراء الضمائر والذمم ولعل من هذه القبائل التي لها حضور وثقل قبيلة ورفلة وترهونة وجزء من ورشفانة والقذاذفة وهذه القبائل متمركزة أساسا في مدن بن وليد وسبها وسرت ومنطقة جفارة. فقوات المجلس الوطني الانتقالي بعد تطهير هذه المدن عسكريا عليها اعادة استيعاب هذه القبائل وصهرها في ليبيا الجديدة وطمأنتها على عدم ملاحقتها جزائيا واعلان عفو عام لتضميد الجراح رغم ان أبرز القبائل الليبية ممثلة في المجلس بما فيها ورفلة التي ينتمي اليها السيد محمود جبريل الرجل الثاني في السلطة الجديدة ورئيس سلطتها التنفيذية. هناك تحديات أخرى لا تقل أهمية تواجه السلطة الجديدة منها لملمة عملية اغتيال القائد العسكري للثورة عبد الفتاح يونس وتداعياتها وتطيب خاطر قبيلته العبيدات بتقديم قتلته للمحاكمة وكشف من كان وراء هذا العمل الاجرامي الذي كاد أن يربك الثورة وهي في أوجها وضبط الامن في مختلف مدن ليبيا وجمع السلاح خاصة في العاصمة السياسية طرابلس وتوحيد جهاز الشرطة بمختلف تفرعاته واقامة جيش وطني نظامي جمهوري بعيد عن الولاءات واعطاء وبالأحرى الاعتراف بخصوصية وثقافة سكان الجبل الغربي ومدينة زوارة وغيرها من الأمازيغ الذين كان لهم دور محوري في الثورة والذين عانوا الأمرين من تجاهل واحتقار ثقافتهم المحلية وفرض عليهم النظام السابق أمرا واقعا مذلا طيلة تحكمه في البلاد والعباد. كثيرة هي الملفات على طاولة حكام ليبيا الجدد. في تقديرنا رغم هذا الكم من التحديات فمن مصلحة الجميع وبعد الانهاك الذي طالهم من القذافي وأثناء الثورة وانطلاقا من مصالحهم ونظرا للموقف الدولي الحازم وخاصة الاقليمي والأوروبي في دعم الوحدة الترابية لليبيا هناك استبعاد لحرب أهلية رغم ان هناك بعض الاضطرابات والتمرد قد تقع هنا وهناك في هذه المنطقة او تلك. أما اقليميا على المجلس الوطني طمأنة الجارة الجزائر على أمنها الوطني وتهدئة مخاوفها الامنية والسياسية والتعامل المرن مع بعض الأفارقة دول ومجموعات الموالين للقذافي والذين أكلوا طويلا على موائده خاصة الجارة التشاد وحركة العدل والاحسان في السودان دوليا يجب الاستفادة من الهبة الغربية للافراج على الارصدة الليبية وتقديم الدعم اللوجستي لإعادة بناء البلد وطمأنة الأطراف الفاعلة في مجلس الامن على استثماراتها خاصة الصين وروسيا الاتحادية. النخبة السياسية الجديدة أظهرت مهارة فائقة في التعاطي مع الوضع الداخلي والدولي ومرونة وصبر في معالجة الملفات بعيدا عن التشنج وردود الأفعال وهو يستفيد من زخم شعبي لا مثيل له يعطيه تفويضا يمكنه من معالجة مختلف الملفات متكأ على دعم شعبي لقراراته. البشير الضاوي مثقف مستقل