كشفت موجة البرد العاتية التي تهز الشمال والوسط الغربي عن الوجه الجميل للموقع الاجتماعي، حيث تجندت العشرات من الصفحات التونسية وتجند الناشطون في مختلف المجالات لإطلاق عمليات المساعدة وتنسيق التبرعات بعيدا عن أي توظيف سياسي. لم تنجح الأخبار المتواترة عن تكوين الحكومة في صرف نظر التونسيين في الموقع الاجتماعي عن موجة البرد العاتية التي تهز البلاد خصوصا في الشمال الغربي. ورغم استمرار نشر الأخبار عن المفاوضات التي لا تنتهي لتكوين الحكومة، وعن صراع جماعة المؤتمر مع النهضة حول توزير السيد الحبيب الصيد، فإن الاهتمام تركز كثيرا حول أزمة البرد في البلاد، وعن الأزمة المستديمة التي يعيشها الشمال والتي تجعل سكانه غير قادرين على مواجهة انخفاض الحرارة. وكما ذكرنا، فقد تجند العشرات من الناشطين لتنسيق عمليات جمع التبرعات في ظل الشلل الحكومي المتواصل منذ أسابيع في انتظار تشكيل الحكومة. غير أن ناشطا حقوقيا شابا من جمعية معروفة كتب محذرا أن نشر أرقام هواتف الأشخاص على الشبكة وتعهدهم بجمع التبرعات بصفة شخصية ليس أسلوبا عمليا في المساعدة، ودعا إلى تكليف جمعيات معروفة ولها مقرات وعناوين ومسؤولون لتنسيق العمل الخيري، وفي هذا المجال كشف ناشط من العاصمة أن أرقام الهاتف التي تم نشرها تهم أعضاء جمعية «رواد الخير» التي بادرت بتنسيق عمليات جمع التبرعات. كما تم تداول وتقاسم العشرات من الأخبار عن تطورات الوضع على الميدان وخصوصا فقدان قوارير الغاز مع فضح ممارسات مافيا الاحتكار التي تتحكم في سوق التوزيع وتتاجر في آلام الناس، وتضاعف أرباحها مرارا باستغلال حاجة الناس إلى التدفئة والطبخ لعرض قوارير الغاز خارج شبكات التوزيع الرسمية في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، حيث بلغت في بعض الجهات حسب بعض الناشطين 17 دينارا للقارورة أي أكثر من ضعف ثمنها الأصلي. ومن أغرب ما قرأنا عن أزمة الغاز، ما رواه ناشط شاب من جهة الوطن القبلي من أن مجموعة من الأشخاص اعترضوا طريق شاحنة كانت تحمل شحنة من قوارير الغاز وأجبروها على التوقف في الخلاء واستولوا بالعنف والتهديد على حمولتها لبيعها على طريقتهم ولحسابهم الخاص. كما قرأنا هجوما على الإضرابات والاعتصامات التي تعطل إنتاج الغاز وتوزيعه في البلاد، واعتبر كثيرون هذا العمل ابتزازا للشعب في مثل هذه الظروف المناخية القاسية، وتشجيعا على الاحتكار ونهب جيوب الناس البسطاء. وكتب ناشط من ولاية الكاف نداء إلى المتسببين في نقص الغاز: «كل رعشة برد يعانيها أهالينا في الكاف وجندوبة والقصرين أنتم سببها، وكل أنين طفل رضيع وآهات شيخ كبير أنتم سببها أيضا، واصلوا اعتصاماتكم من أجل الزيادة في أجوركم ومنحكم حتى تحدث فضيحة بموت الناس من البرد في الشمال الغربي، ملعون أبو الحرّية إذا صارت لعنة على المساكين». وكما هي عادة التونسيين على الموقع، فقد جمعوا بين المزاح وحتى الشاعرية، وفي باب المزاح، قام ناشط من الكاف بإعادة تصميم الصورة الشهيرة لمقام سيدي بومخلوف بمهارة حيث ظهر فيها الإسكيمو وطيور البطريق القطبية، تعبيرا عن حالة البرد الشديد الذي داهم الجهة هذه الأيام. أما في باب الشعر، فقد نشرت ناشطة شابة هذا المقطع من قصيدة «في الحانة القديمة» للشاعر مظفر نواب: «أيقتلك البرد؟...أنا يقتلني نصف الدفء... ونصف الموقف أكثر»، وخلف المقطع تعاليق ذات مضمون سياسي حيث كتب ناشط حقوقي من اليسار: «كما أن البرد يقتل، فإن نصف الموقف السياسي، الموقف المهادن يقتل أيضا».