بدت تصريحات السيد اسماعيل هنية، خلال زيارته الى تونس، وكأنها متفاجئة من حجم وعمق العلاقة بين شعبي تونسوفلسطين العربيّين.. ففي القيروان كما في تونس، لمسنا في كلام السيد اسماعيل هنيّة وكأنه يكتشف أن العلاقة بين الشعب التونسي والقضية الفلسطينية، عميقة ومتجذّرة في التاريخ. والحقيقة، التي قد تكون غائبة عن عديد السياسيين المشارقة بالخصوص، هي أن الشعب التونسي، مرتبط ارتباطا عضويا بالقضية الفلسطينية. ارتباط سياسي، من خلال العديد من التعبيرات السياسية والفكرية، التي ما فتئت تجدّد العهد مع القضية، وآخرها الحرب على غزّة سنة 2008 وما أتاه الشعب التونسي من مظاهرات واحتجاجات عبر الشوارع والنقابات والأنشطة الثقافية، حول فلسطين القضية. وكذلك، ارتباط حضاري، من خلال هذا التاريخ الحافل، بين الشعبين، حين كان التونسيون المناضلون، يتوجهون الى فلسطين سيرا على الأقدام من أجل نجدة فلسطين المنكوبة سنة 1948.. وليست محطة حمام الشط 1985 والتي اختلط فيها الدم التونسي بالدم الفلسيطني، سوى محطة فيها تجسيد لهذه المبادئ التي دأب عليها الشعب التونسي منذ احتلال فلسطين. بالأمس، أحيت جهة القصرين، ذكرى سقوط أول شهيد في الثورة التونسية الحديثة، وكانت رمزية الحدث فيها مماهاة لأكثر من ذكرى لشهداء فلسطين الأبرار، الذين حلّوا بتونس سنة 1982، عقب الحرب الصهيونية على بيروت، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية.. العهد قديم.. بين تونسوفلسطين، ولعلّ مقبرة الشهداء في حمام الشط، حيث يرقد أبو جهاد وأبو إياد وزعامات فلسطينية عديدة، أحسن دليل على أن العلاقة ليست علاقة أخوّة خالية من أيّ التزام.. الشعب التونسي كما كل أبناء الشعب العربي من المحيط والخليج، مدافع عن القضية الفلسطينية، ومتبنّ لنضالات شعب فلسطين، منذ 1947 الى هذا اليوم. علاقة تونس بالقضية الفلسطينية، لا يمكن أن تُقاس من خلال الأنظمة والسلطة القائمة، عبر مراحل تاريخ هذه العلاقة، بل من خلال الشعب والمجتمع المدني وردود فعل النّخب.. لأن فلسطين القضية، ما فتئت تمثل ورقة بين أيدي السياسيين الحاكمين، من أجل كسب ودّ الشعب، الذي لايشقّ له غبار في وفائه للقضية الفلسطينية، على أساس أنها طليعة القضايا العربية، وطليعة الثورة العربية. لذا، فإنه لا داعي للتفاجئ بهذه العلاقة، خاصة في تونس، أين أمكن للأشقاء الفلسطينيين، بكلّ فصائلهم السياسية، أن يقفوا على مكانة فلسطين القضية، في مستوى البوصلة الشعبية.. وذاك هو المحرار الصحيح.