في مصر، أين يواصل الشعب المصري، إحياء الذكرى الأولى لثورة 25 جانفي 2011، ينبري المشهد السياسي، في اختلاف جذري مع ما كان عليه منذ عام من الآن تقريبا... ثورة 25 جانفي 2011 والتي سقط فيها قرابة 850 شهيدا والاف الجرحى، تجدد العهد مع الجماهير المصرية التي تنادت بجموع غفيرة إلى ميدان التحرير بالقاهرة في ماشهدت مدينة الاسكندرية وفي نفس يوم الذكرى، تجمع الآلاف من أبناء المدينة وجوارها في ميدان القائد إبراهيم، على ضفاف المتوسط... الشعارات في القاهرة كما في الإسكندرية وكذلك في السويس جاءت منتقدة للمجلس العسكري مع مطالبات بتنحي الجيش عن السلطة وعدم السماح لهذه المؤسسة بأن تحشر نفسها في مسألة التشريعات وعدم تدخله (الجيش) في صياغة الدستور المصري الجديد. بعد عام من الثورة التي وقف العالم مشدوها أمام قوتها وإصرارها على مواصلة المهمة إلى حدّ الإطاحة بنظام مبارك يحدث أن يتشكل المشهد السياسي اليوم من ثلاث قوى رئيسية : «الإخوان المسلمون وبقية التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية والقوى اليسارية والقومية وكذا القوى الديمقراطية من نشطاء في مجال حقوق الإنسان، وهذه القوى المجتمعة هي التي أوقدت الثورة وواصلت دون إذعان طريقها نحو الإطاحة بالنظام. ومن جهة ثالثة نجد المجلس العسكري الذي مسك السلطة عقب الإطاحة بالنظام في 25 جانفي 2011. هنا، يبرز تساؤل رئيسي ليتفرع عنه عدد من التساؤلات وهو يقول : «إلى أي حدّ يمكن للإخوان المسلمين الفائزين بنسب عريضة، في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن يسيروا في نفس النهج الذي تتجه فيه الآن القوى المفجرة للثورة والتي أعلنت صراحة عبر شعاراتها التي رفعتها أمس الأول بأنها تطالب برحيل العسكر عن السلطة، وحذّرت من أن يكون للمؤسسة العسكرية يد في كتابة الدستور؟ الانتخابات الاخيرة التي تمّت في مصر، وأفرزت فوز الاخوان المسلمين، أسهمت في تبديل المشهد السياسي في مصر، تبديلا. فهذه القوة السياسية التي تاقت ورنت الى الحكم منذ الخمسينات، حين جاهرت نظام ثورة جويلية 1953، وعبد الناصر بالذات العداء، تصل اليوم الى حكم مصر عبر صندوق الانتخاب. فقبل موعد الانتخابات، لاحظنا كيف تركز الخطاب السياسي للاخوان المسلمين على المجلس العسكري في مصر مع نعته بأنه سليل نظام مبارك وأن شيئا لم يتغير في مصر. وقد كان هذا الخطاب متماهيا مع مطالب الثورة والثائرين في ميدان التحرير بالقاهرة أو ميدان «القائد ابراهيم» بالاسكندرية... لكن اليوم ليس كما البارحة. فقد أصبح «الاخوان المسلمون» في عداد الحاكمين في مصر، وأن ضرورات السلطة وضغوطها، لا تشبه في شيء صعوبات «المعارضة»... اليوم يقف الاخوان المسلمون، وقد مسكوا بالسلطة وفق أغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم يعد «مفيدا» ربّما، معاداة السلطة العسكرية على اعتبار أنها ستكون مؤسسة تابعة للسلطة الحاكمة وليست معارضة لها، وفي هذا طريق من طرق إدارة السلطة وسوس البلد. من جهة اخرى يفصح الثائرون الذين قاموا بانجاز الثورة في غياب شبه مؤكد للقوى الاسلامية عن امتعاضهم حدّ الغضب من المعاناة التي يواصل المصريون تكبّدها، من اقصاء وتهميش وغياب الحلول الاقتصادية والاجتماعية الجذرية. إذ هناك إحساس يدبّ وسط القوى الحقوقية واليسارية والقومية في مصر، بأنهم كانوا حطب الثورة، في ما حصل «الاخوان» على الطبق جاهزا... دون كثير عناء ميداني... فقد شهدنا المرأة تُسحل، والشباب يستشهد والمصريين من كل الفئات يعتصمون ويصرّون على مواصلة المهمة : الإطاحة بالنظام... هذا المشهد يماهي الى حدّ ما مشاهد أخرى في البلاد العربية وأن تونس وليبيا وحتى اليمن ساحات لا تخرج عن هذه الحقيقة... بعد عام من الثورة تقف أكبر قاطرة عربية في مفترق مهم وملفت وسوف تكمل الانتخابات الرئاسية المصرية في جوان القادم، محتوى اللوحة كما أن المشهد السياسي المصري سوف يكون محددا لمجمل الساحات العربية الأخرى وللمشهد السياسي العربي برمته... أمام هذه الحقائق المستجدة على الميدان يبقى السؤال المطروح إلى أي مدى يمكن انتظار تغيير في مستوى الأداء السياسي العربي بعد الإنتخابات ثم أي تأثير للصندوق الشفاف في تغيير أحوال الناس وتحقيق أهداف ثوراتهم هنا وهناك؟ المشهد السياسي في مصر يتحول شأنه في ذلك شأن كل البلدان العربية التي تمقت أن تراوح الأمور مكانها لأن الثورة أضحت حقيقة... ولم تعد أمنية... سوف يعرف المشهد المصري كما العربي، تململا... وصدمات... وتصدعا لبعض القوى وبروزا لأخرى... لكن الثابت هو أن اليوم ليس كالبارحة.