بمجرد دخولك مدينة مدنين من الاتجاهات المختلفة يثير انتباهك المبنى الشاهق والكبير للمستشفى الجهوي بمدنين..هذا المستشفى الذي ظل ليومنا هذا يشكو يوما بعد يوم من النقائص العديدة والمتعددة. البنية التحتية للمستشفى خاصة من الداخل باتت مهترئة فتساقطت بعض كتل الاسمنت من الأسقف الداخلية وباتت بعض النوافذ والأبواب بدون بلور ولا حواجز فيكفي أن تنزل من المصعد بالطابق الثالث أو الرابع حتى تصاب بنزلة برد مفاجئة تحولك إلى قسم الاستعجالي وهناك ستكون معاناتك أكثر لان الخدمات الاستعجالية غائبة عن هذا القسم. أول ما يثير انتباهك عند دخولك للمستشفى هو غياب الصيانة وعدم توفر أماكن كافية للاستراحة سواء كان ذلك للمرضى أو للإطار الطبي وشبه الطبي والعاملين بالمستشفى من شتى الاختصاصات فالمعاناة هنا باتت مشتركة. الاستعجالي والإنعاش التشكيات مشتركة في هذا القسم،فالمواطن يشتكي من بطء في الخدمات ونقص حاد في طب الاختصاص والإطار الطبي وشبه الطبي يشتكي كذلك فطبيب الاختصاص غائب وحتى وإن وجد فإنه بعد الإتيان به من بيته في حالات طارئة أو مما يضطر الإطار الطبي بهذا القسم إلى تحويل المريض إلى جهات مجاورة ( بنقردان – جرجيس – جربة...) وقد شبه أحد الإطارات الطبية الحالة التي أصبح عليها المستشفى «بمحطة اللواجات» مريض القلب مثلا يجب أن يتحول إلى مستشفى بنقردان ليقابل الطبيب هناك حتى ولو كانت حالته مستعجلة أو في حالات أخرى يتم تحويله إلى قابس أو صفاقس. وفي حالات عديدة يضطر قسم الإنعاش إلى استقبال المرضى الذين تستدعي حالتهم طب اختصاص ولكن الأدهى والأمر أن هذا القسم ليس بأحسن حال من الأقسام الأخرى فهو ليس به أكثر من طبيبي إنعاش وطبيب اختصاص..فوضى معمارية داخل هذا القسم ومجموعة صحية غابت عنها الصيانه حتى أنها أصبحت تهدد صحة مستعمليها..أما أغرب ما شاهدناه في هذا القسم هو إقناء حاويات من البلاستيك متوفرة بالسوق الموازية لحفظ المعدات.. تجهيزات التنفس الاصطناعي والإبر الكهربائية من الأساسيات الأولية لهذا القسم إلا أنها متوفرة إلا بأعداد متواضعة جدا أو تكاد تكون مفقودة والأسرة التي من المفروض أن تكون من نوع خاص نظرا لخصوصيات وحساسية الخدمات المسداة باتت قديمة ومهترئة، ومن النقائص التي يشتكيها هذا القسم أيضا عدم وجود اختصاص تحليل بيولوجي الذي يعتبر من الضروريات. طب الاختصاص كما يفتقر المستشفى الجهوي بمدنين إلى عدة أقسام طبية مثل قسم جراحة الأعصاب وقسم الجلدية وقسم القلب ويبقى المواطن يعاني حتى في ظل الأقسام الموجودة فطب العيون مثلا يشهد اكتظاظا كبيرا لعدم توفر الإطار الطبي بالعدد الكافي فالمريض بهذا القسم يمكن أن ينتظر إلى أكثر من أربعة أو خمسة أشهر ليعرض نفسه على الطبيب،أما وحدة الكشف بالسكانار المتوفرة تعتبر من الأجهزة القديمة مقارنة بأجهزة السكانار الحديثة والمتطورة، باتت بدون طبيب بعد انتقال الطبيب المختص بها إلى جزيرة جربة. أما قسم القلب فقد أصبح مغلقا منذ مدة بعد أن بقي بدون طبيب وأصبحت معاناة المرضى كبيرة ومرهقة بعد أن أصبحوا مجبرين على التنقل إلى أحد مستشفيات بنقردان أو قابس أو صفاقس. وأمام هذه الإشكاليات والنقائص العديدة والمتعددة التي تشكو منها المنظومة الصحية بالمستشفى الجهوي بمدنين خاصة على مستوى طب الاختصاص وعلى مستوى ندرة التجهيزات والمعدات الطبية بات من الضروري أن تقوم سلطة الإشراف بتدخل عاجل لتطوير القطاع الصحي بجهة مدنين بما يواكب حاجيات المواطنين وتغنيه عن هاجس التنقل إلى جهات أخرى، من خلال اقتناء معدات طبية وتجهيزات لجميع أقسام المستشفى والترفيع من عدد أطباء الاختصاص من خلال انتداب أطباء أساتذة والتفكير الجاد في إحداث أقسام جديدة لبعض الأمراض بما يفسح المجال إلى هذه المؤسسة بان تتحول إلى مستشفى جامعي.