بعد هدوء الخلافات الحادة بين صالح بن يوسف والحبيب بورقيبة وانتصار الشق البورقيبي غادر صالح بن يوسف البلاد يوم 28 جانفي 1956 حينما علم أن الحكومة التونسية أقرت العزم على اعتقاله وواصل معارضته لاتفاقيات الاستقلال في المهجر وخاصة بمصر. وتهيأت الظروف للمطالبة بالاعتراف باستقلال تونس وسافر بورقيبة لهذا الغرض الى فرنسا يوم 3 فيفري 1956 وتقابل مع رئيس الحكومة الاشتراكي «غي مولي» وتم الاتفاق على ارسال وفد للتفاوض في المطالب التونسية، وتم يوم 20 مارس التوقيع على اتفاقية الاستقلال التام. انطلق بعدها بورقيبة في ارساء النظام السياسي الذي يريد وبدأ باتخاذ العديد من الاجراءات بعد انعقاد أولى جلسات المجلس التأسيسي في أفريل 1956 ومن أهم هذه القرارات: إلغاء النظام الملكي واعلان الجمهورية يوم 25 جويلية 1957 وتكليف الحبيب بورقيبة برئاستها ريثما يدخل الدستور حيز التنفيذ. الإعلان عن الدستور التونسي يوم 1 جوان 1959، وقد حاول المشرع آنذاك التوفيق بين الخصائص الثقافية والاجتماعية التونسية وما وصل اليه الفكر التشريعي الحديث في البلدان المتقدمة. نقاش مستفيض وفضلا عن الخلافات المعتادة بين اعضاء المجلس حول طبيعة النظام السياسي ومسألة الحصانة دار نقاش مستفيض بين الأعضاء وفي صلب اللجان المختصة حول الفصل الاول المخصص لتحديد طبيعة الدولة وهوية البلاد، وقد أطنب الدكتور عبد الجليل بوقرة من خلال دراسته القيمة «الولادة العسيرة لدستور 59» في بيان هذه الاشكاليات حيث أن الزعيم بورقيبة حسم الخلاف وانتصر لحل وسط تمثل في اقرار البند المشهور: «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها». ورغم أن بورقيبة لم يكن عروبيا او اسلاميا الا أنه بذكائه أراد ان يتجاوز الاشكال القائم ويبحث في المسائل والقضايا التي كانت تشغل باله مثل النظام الرئاسي. وبالفعل انتصر في النهاية للحل التوفيقي متجنبا الخوض في قضية مصدر التشريع في الديباجة أو المناداة بتكريس البعد العروبي والإسلامي في الدستور دون غيره من المفاهيم. حل توافقي لقد قرر بورقيبة منذ اللحظات الأولى لانطلاق عمل المجلس التأسيسي أن يكون توفيقيا أي سياسيا بامتياز واضعا أعداءه في الزاوية بتعلة أن النقاش حول هذه القضايا لمدة طويلة سيُلهي النخبة السياسية عن معالجة المسائل التاريخية والاجتماعية والسياسية الهامة وكذلك مواجهة التطورات في الساحة العالمية التي كانت تشهد في تلك الفترة تصاعدا في الهجمة الاستعمارية وصراعا مريرا بين الشرق والغرب مما دفع أعضاء المجلس الذين كانوا يعارضون الطرح البورقيبي إلى الاذعان في نهاية المطاف ليخرج البند الأول كما هو معروف بصيغته الشهيرة. وبدا الفصل الأول في ظاهره جامعا لمبادئ الديمقراطية والحرية من خلال التنصيص على الجمهورية ومدافعا عن هوية الشعب التونسي من خلال التأكيد على أن تونس دولة لغتها العربية ودينها الاسلام «وكفى المؤمنين شر القتال».