منذ عقود ظلت عديد الارياف بولاية سليانة تعيش الحرمان الكلي وان كلمة «مناطق الظل تتجسد قلبا وقالبا في ربوع الجهة...هذا ما اكتشفته «الشروق» خلال جولتها ببعض الأرياف التي لا تزال تعيش التهميش بين الجهات لاسيما المحرومة منها. انطلقت جولتنا من وسط مدينة الروحية الواقعة جنوب ولاية سليانة على بعد 70 كم في اتجاه منطقة الحبابسة التابعة اداريا لمعتمدية الروحية على حدود ولايتي سيدي بوزيدوالقيروان ومنذ الدقائق الأولى لانطلاق هذه الرحلة بدأت مظاهر الفقر والتهميش تظهر شيئا فشيئا حتى خلنا أنفسنا في رحلة نحو أدغال افريقيا، البداية كانت بالطريق حيث كثرت الحفر والمنخفضات، كما انعدمت فيها اشارات المرور، زد على ذلك كثرة المنعرجات وضيق المسافة العرضية المعبدة للطريق حيث لا تسمح بمرور سيارتين ولم تلحقها الصيانة منذ انشائها في مستوى منطقة «القصيرة» حيث تكثر المنعرجات لصعوبة المنطقة الجبلية والتي لا تسمح بمرور العربات الثقيلة كالشاحنات والحافلات. المواطنون في هذه الربوع عند سفرهم يستقلون شاحنات هي في الأصل معدة لنقل البضائع فيتكدسون في صناديقها الخلفية ان أسطول النقل العمومي من حافلات وسيارات أجرة وسيارات نقل ريفي ينعدم بهذه الجهة. لتعوضها شاحنات غير آمنة وخصوصا في ما يتعلق بالتلاميذ المقدر عددهم بالمئات في تنقلهم نحو مؤسساتهم التربوية بمدينة الروحية لمسافات طويلة يلسعهم فيها البرد والجليد شتاء ويحرقهم لفح الشمس ربيعا وخريفا، دون أن تحرك السلطات المحلية والجهوية ساكنا أمام هذه الوضعية.
مؤسسات تربوية كأنها مواقع أثرية
في طريقنا الى منطقة الحبابسة استوقفنا الفضول الصحفي لاكتشاف الحياة داخل المدارس الابتدائية بهذه الربوع فكان الاختيار على مدرسة «الجلاب القديمة» بمنطقة الجميلات التابعة لمعتمدية الروحية. دخلنا محيط المدرسة فخلنا أنفسنا نتجول بموقع اثري ينتظر الصيانة: ثلاثة أقسام يتيمة يؤمها حوالي 50 تلميذا بدت مظاهر الفقر والبؤس بارزة على وجوههم واطار تربوي يتكون من أربعة معلمين بمن فيهم مدير المدرسة اضافة الى عون تنظيف هو السيد طارق القاسمي الذي حدثنا عن النقائص العديدة التي تشهدها هذه المدرسة على وجه الخصوص ومنطقة «الجميلات» بصفة عامة. اذ يقول «رغم عراقتها، الا أنها لا تزال تفتقر الى أبسط المرافق الضرورية خاصة الماء الصالح للشراب، كذلك الحالة المزرية لسور المدرسة الذي لم يكتمل بناؤه لأسباب مجهولة». زد على ذلك الوضعية السيئة لدورات المياه والمرافق الصحية في غياب الحنفيات وعدم توفر المياه بالكميات الضرورية وبسؤالنا عن كيفية التزود بالماء أشار باصبعه الى صهريج أخضر يوجد بالقرب من المدرسة ومحاذ للطريق المؤدية الى منطقة الحبابسة فاتجهنا هناك أين وجدنا السيد محمود الرقيعي المكلف بشؤون المحرك الكهربائي الذي يضخ المياه داخل هذا الصهريج لفائدة المدرسة وبقية المتساكنين والمقدر عددهم بحوالي 300 عائلة حسب كلام السيد محمود الذي أضاف قائلا: «صعوبات كبيرة تواجهنا للظفر ببعض القطرات من الماء فكثيرا من الاحيان ما تجف هذه البئر العميقة خاصة في فصل الصيف حيث نتذوق الأمرين للحصول على قطرة ماء تروينا. انعدام المرافق الضرورية
اتجهنا نحو منطقة «المقرونة» التابعة لعمادة الحبابسة الجنوبية من معتمدية الروحية «حيث يعيش سكانا فقرا مدقعا زادته صعوبات التضاريس سوءا على سوء» على حد تعبير السيد الهادي بالحاج أحد المواطنين القاطنين هنا منذ عقود طويلة فالمنطقة لا تزال تعيش التهميش والاقصاء رغم مرور أكثر من سنة على قيام ثورة الكرامة على حد تعبير الخالة «زهرة» التي وجدناها تملأ الماء من الوادي فحدثتنا بنبرة حزينة وبتلقائية سكان الريف عن منطقتها قائلة «منطقتنا منسية وأنتم أول وسيلة اعلامية تدخلها معمر لبرق والتهامي بن منصور قالا: سئمنا الحياة على هذه الشاكلة فمنطقتنا تفتقر الى كل المرافق الضرورية وخاصة الماء الصالح للشراب حيث نقطع أكثر من سبع كلم للتزود بالماء من المناطق المجاورة التابعة للولاية القيروان على ظهور الحمير والبغال ومن لا يقدر على قطع هذه المسافة يلتجأ مكرها لجلب الماء من الوادي المجاور لمنطقتنا رغم ملوحة الماء وعدم صلاحه للشراب» وباستفسارنا عن قصة هذا المبنى المغلق منذ سنوات (مركز الفتاة الريفية) أضاف السيد معمر لبرق قائلا: «افتتح هذا المركز التابع لمنظمة النمو الجماعي الواقع مقرها الرسمي بالعاصمة لكنه سرعان ما أقفل أبوابه في وجه بناتنا اللاتي كن تستفدن منه بتعلمهن صناعة المرقوم والزربية واعانة عائلاتهن بتوفير بضعة دنانير تساعدهن على لقمة العيش».
الثقة منعدمة
«ليست لدينا ثقة في السلط المحلية بجهتنا فنحن منسيون منذ دهر طويل مدينة الروحية» بهذه الكلمات الممزوجة بغضب كبير استقبلنا الشابان حمادي بالحاج وعبد العزيز نصر من الروحية مضيفين: «سامح الله السلط المحلية والجهوية بولاية سليانة لقد همشونا وأقصونا من الخريطة تماما، ألسنا تونسيين؟ ألا يحق لنا العيش الكريم؟» وفي نفس السياق أضاف السيد لزهر الخذيري صاحب محل عطرية بالجهة قائلا: «مصائبنا في هذه الجهة كثيرة فلقضاء شؤوننا الادارية بالمعتمدية أو الولاية يلزمنا القيام منذ الرابعة صباحا للعثور على وسيلة نقل توصلنا الى وجهتنا المحددة أما اذا مرض شخص فقد تفاجئه المنية قبل وصوله اقرب مركز صحي فالمنطقة بعيدة جدا ومهمشة أكثر فمصاريف كثيرة ننفقها من أجل قضاء بعض الشؤون البسيطة زد على ذلك غياب وسائل النقل العمومية وهو ما من شأنه مضاعفة همومنا»، ويشاركه في هذا الموقف السيد الهادي بالحاج الذي أردف قائلا: «على منطقتنا السلام».