لا أحد من أدباء العالم الكبار يجرؤ على قول الحق عن أفعال وتصرفات «إسرائيل» حتى لا يتهم بمعاداة السامية، وهي تهمة مرعبة تعني أنه سيقاضى أو سيجري التعتيم عليه، أو التشهير به والتقليل من شأن إبداعه (ما حدث لروجيه غارودي على سبيل المثال).
فمعاداة السامية تهمة ما بعدها تهمة فكيف إذا كان من يواجه «إسرائيل» بكلمة الحق والصدق ألمانيا؟ ونحن نعلم الثمن الفادح الذي دفعه الشعب الألماني عن جرائم الفترة النازية لا بالنسبة لليهود الذين تعرضوا للمحرقة بل والملايين الأوروبيين الذين تعرضوا للمحرقة بل والملايين الأوروبيين الذين لقوا حتفهم، والمدن العامرة التاريخية التي تحولت إلى أنقاض وركام احتاجت إعادة بنائها إلى عشرات السنين ومليارات الدولارات.
وغونتر غراس روائي كبير وهو في الآن نفسه شاعر، رغم أننا عرفناه روائيا أكثر منه شاعرا إذ جرت ترجمة رواياته إلى اللغة العربية.
وقد جاءتنا الأخبار بأنه كتب قصيدة عنوانها «ما يجب أن يقال» تحدث فيها عن نوايا اسرائيل بتدبير عملية قصف للمواقع النووية الإيرانية ورأى في عمل كهذا إن حصل عدوانا قد تترتب عليه نتائج وخيمة لا سيما إذا استعملت اسرائيل بعض مخزونها من السلاح النووي في عملية كهذه التي تعني إفناء لملايين البشر.
وقد صنّف غراس اسرائيل بدولة عدوة للسلام، في هذه القصيدة كما يدل عنوانها قد قال ما يجب أن يقال فعلا، فهكذا هي اسرائيل منذ ولادتها معسكر عدوان، استبدلت عصاباتها التي كانت تروع القرى العربية الآمنة ولا تفرق في عمليات القتل التي تقوم بها بين شيخ وطفل حتى يغادر المواطنون الآمنون مدنهم وقراهم خوفا من جرائم هذه العصابات.
ويوم استبدلت بجيش نظامي بقيت عقلية العصابة مسيطرة عليه، ولا فرق بين شامير وغولدا مائير وشارون وباقي السلالة اللاحقة.
قصيدة غراس «ما يجب أن يقال» نشرتها ثلاث صحف فحصل الهياج ضده، وبدأ الهجوم سواء في بلده ألمانيا أو في أوروبا، وقد قرأت ان الهجمة هذه لم يتوقع أنها ستكون بهذه الشراسة حتى ذكر انه صرح بأنه لم يعن دولة اسرائيل وانما رئيس حكومتها نتنياهو!! وان كان هذا الذي نقل على لسانه صحيحا فيا لخيبة الأمر: لأن قيادات إسرائيل عسكريين كانوا أم مدنيين عدوانية، تلوغ بدم الشعب الفلسطيني ومازالت جرائمها متواصلة على قطاع غزة أو على بقية الأراضي الفلسطينية والعربية، ألم يدفنوا الأسرى من الجيش المصري أحياء في صحراء سيناء؟
ان اسرائيل نفسها هي الكيان العدواني المبني على الاغتصاب والتهويد وتزوير التاريخ. غونتر غراس محسوب على قوى اليسار في ألمانيا وهو الآن في الرابعة والثمانين من عمره، ويعتبر من المناصرين للنضالات العادلة لشعوب العالم الثالث. وقد صادق ان التقيته في العاصمة اليمنية صنعاء بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق. وقد حضر إلى اليمن مع عدد من الأدباء الألمان للمشاركة في ندوة الرواية العربية الألمانية التي نظمتها وزارة الثقافة اليمنية بمناسبة اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية.
وفي تلك الندوة تحدثت معه أكثر من مرة بحضور عدد من الأصدقاء العراقيين، وكان الرجل واضحا في رفضه لتصرفات أمريكا التي تفردت في عدوانها على الشعوب بحجة مكافحة الارهاب أو البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وكان واضحا أيضا في ادانته لسياسة جورج بوش الابن ومجموعته من المسيحيين الجدد.
كان الواحد منا يحس بالاطمئنان لأن في العالم أدباء ومفكرين وسياسيين من طراز غراس ونعوم تشومسكي وجورج غالاوي وغيرهم. ويحس بالاطمئنان كذلك لأن شعبنا الفلسطيني المبتلى له مناصرون ومتضامنون في العالم كله لا يفوتون المناسبات للذهاب إلى الأراضي العربية المحتلة، والبعض دفع حياته ثمنا إذ لم تأبه الجرافات العدوانية الاسرائيلية بانسانيته فأردته قتيلا.
ونحن لا نملك إلا تحية هذا الأديب الفذّ الذي تجرأ وقال: «ما يجب أن يقال» للصهاينة ومشاريعهم العدوانية تجاه بلدان العالم الثالث ومنها إيران التي يؤكد ساستها أن مشروعهم النووي هو مشروع سلمي، لكنهم نسوا أن قادة اسرائيل أعداء لكل تقدم علمي تحرزه أي دولة من دول المنطقة ولذا قصفت المنشآت النووية العراقية عام 1982 ثم المنشآت العربية السورية!